١٩ - ﴿ واقصد في مشيك ﴾ أي توسط فيه والقصد ما بين الإسراع والبطء يقال قصد فلان في مشيته : إذا مشى مستويا لا يدب دبيب المتماوتين ولا يثب وثوب الشياطين وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا مشى أسرع فلا بد أن يحمل القصد هنا على ما جاوز الحد في السرعة وقال مقاتل : معناه لا تختل في مشيتك وقال عطاء : امش بالوقار والسكينة كقوله :﴿ يمشون على الأرض هونا ﴾ ﴿ واغضض من صوتك ﴾ أي انقص منه واخفضه ولا تتكلف رفعه فإن الجهر بأكثر من الحاجة يؤذي السامع وجملة ﴿ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ﴾ تعليل للأمر بالغض من الصوت : أي أوحشها وأقبحها قال قتادة : أقبح الأصوات صوت الحمير أوله زفير وأخره شهيق قال المبرد : تأويله إن الجهر بالصوت ليس بمحمود وإنه داخل في باب الصوت المنكر واللام في لصوت للتأكيد ووحد الصوت مع كونه مضافا إلى الجمع لأنه مصدر وهو يدل على الكثرة وهو مصدر صات يصوت صوتا فهو صائت
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أتدرون ما كان لقمان ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : كان حبشيا ] وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب المملوكين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان لقمان عبدا حبشيا نجارا وأخرج الطبراني وابن حبان في الضعفاء وابن عساكر عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم سادات أهل الجنة : لقمان الحكيم والنجاشي وبلال المؤذن ] قال الطبراني : أراد الحبشة وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في قوله :﴿ ولقد آتينا لقمان الحكمة ﴾ يعني العقل والفهم والفطنة في غير نبوة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة أنه كان نبيا وقد قدمنا أن الراوي عنه جابر الجعفي وهو ضعيف جدا وأخرج أحمد والحكيم والترمذي والحاكم في الكنى والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ إن لقمان الحكيم كان يقول : إن الله إذا استودع شيئا حفظه ] وقد ذكر جماعة من أهل الحديث روايات عن جماعة من الصحابة والتابعين تتضمن كلمات من مواعظ لقمان وحكمه ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذلك شيء ولا ثبت إسناد صحيح إلى لقمان بشيء منها حتى نقبله وقد حكى الله سبحانه من مواعظه لابنه ما حكاه في هذا الوضع وفي كفاية وما عدا ذلك مما لم يصح فليس في ذكره إلا شغلة للحيز وقطيعة للوقت ولم يكن نبيا حتى يكون ما نقل عنه من شرع من قبلنا ولا صح إسناد ما روي عنه من الكلمات حتى يكون ذكر ذلك من تدوين كلمات الحكمة التي هي ضالة المؤمن وأخرج أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن أبي وقاص قال : أنزلت في هذه الآية ﴿ وإن جاهداك على أن تشرك بي ﴾ وقد تقدم ذكر هذا وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ وهنا على وهن ﴾ قال : شدة بعد شدة وخلفا بعد خلف وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه عن أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن قوله :﴿ ولا تصعر خدك للناس ﴾ قال : لا تتكبر فتختقر عباد الله وتعرض عنهم إذا كلموك وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر


الصفحة التالية
Icon