٣٢ - ﴿ وإذا غشيهم موج كالظلل ﴾ شبه الموج لكبره بما يظل الإنسان من جبل أو سحاب أو غيرهما وإنما شبه الموج وهو واحد بالظلل وهي جمع لأن الموت يأتي شيئا بعد شيء ويركب بعضه بعضا وقيل إن الموج في معنى الجمع لأنه مصدر وأصل الموج الحركة والازدحام ومنه يقال ماج البحر وماج الناس وقرأ محمد بن الحنفية موج كالظلال جمع ظل ﴿ دعوا الله مخلصين له الدين ﴾ أي دعوا الله وحده لا يعولون على غيره في خلاصهم لأنهم يعلمون أنه لا يضر ولا ينفع سواه ولكنه تغلب على طبائعهم العادات وتقليد الأموات فإذا وقعوا في مثل هذه الحالة اعترفوا بوحدانية الله وأخلصوا دينهم له طلبا للخلاص والسلامة مما وقعوا فيه ﴿ فلما نجاهم إلى البر ﴾ صاروا على قسمين : فقسم ﴿ مقتصد ﴾ أي موف عاهد عليه الله في البحر من إخلاص الدين له باق على ذلك بعد أن نجاه الله من هول البحر وأخرجه إلى البر سالما قال الحسن : معنى مقتصد مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة وقال مجاهد : مقتصد في القول مضمر للكفر والأولى ما ذكرناه ويكون في الكلام حذف والتقدير فمنهم مقتصد ومنهم كافر ويدل على هذا المحذوف قوله :﴿ وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ﴾ الختر : أسوأ الغدر وأقبحه ومنه قول الأعشى :
( بالأبلق الفرد من تيماء منزله | حصن حصين وجار غير ختار ) |
٣٣ - ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ﴾ أي لا يغني الوالد عن ولده شيئا ولا ينفعه بوجه من وجوه النفع لاشتغاله بنفسه وقد تقدم بيان معناه في البقرة ﴿ ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ﴾ ذكر سبحانه فردين من القرابات وهو الوالد والولد وهما الغاية في الحنو والشفقة على بعضهم البعض فما عداهما من القرابات لا يجزي بالأولى فكيف بالأجانب اللهم اجعلنا ممن لا يرجو سواك ولا يعول على غيرك ﴿ إن وعد الله حق ﴾ لا يتخلف فما وعد به من الخير وأوعد به من الشر فهو كائن لا محالة ﴿ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ﴾ وزخارفها فإنها زائلة ذاهبة ﴿ ولا يغرنكم بالله الغرور ﴾ قرأ الجمهور ﴿ الغرور ﴾ بفتح الغين المعجمة والغرور هو الشيطان لأن من شأنه أن يغر الخلق ويمنيهم بالأماني الباطلة ويلهيهم عن الآخرة ويصدهم عن طريق الحق وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميفع بضم الغين مصدر غر يغر غرورا ويجوز أن يكون مصدرا واقعا وصفا للشيطان على المبالغة