٩ - ﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ﴾ هذا تحقيق لما سبق من الأمر بتقوى الله بحيث لا يبقى معها خوف من أحد وقوله عليكم متعلق بالنعمة إن كانت مصدرا أو بمحذوف هو حال : أي كائنة عليكم ومعنى ﴿ إذ جاءتكم جنود ﴾ حين جاءتكم جنود وهو ظرف للنعمة أو للمقدر عاملا في عليكم أو لمحذوف هو اذكر والمراد بالجنود : جنود الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم وغزوه إلى المدينة وهي الغزوة المسماة غزوة الخندق وهم : أبو سفيان بن حرب بقريش ومن معهم من الألفاف وعيينة بن حصن الفزاري ومن معه من قومه غطفان وبنو قريظة والنضير فضايقوا المسلمين مضايقة شديدة كما وصف الله سبحانه في هذه الآيات وكانت هذه الغزوة في شوال سنة خمس من الهجرة قاله ابن إسحاق وقال ابن وهب وابن القاسم عن مالك : كانت في سنة أربع وقد بسط أهل السير في هذه الوقعة ما هو معروف فلا نطيل بذكرها ﴿ فأرسلنا عليهم ريحا ﴾ معطوف على جاءتكم قال مجاهد : هي الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى ألقت قدورهم ونزعت فساطيطهم ويدل على هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه و سلم من قوله نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور والمراد بقوله :﴿ وجنودا لم تروها ﴾ الملائكة قال المفسرونك بعث الله عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط وأطفأت النيران وأكفأت القدور وجالت الخيل بعضها في بعض وأرسل الله عليهم الرعب وكثر تكبير الملائكة في جوانب العسكر حتى كان سيد كل قوم يقول لقومه : يا بني فلان هلم إلي فإذا اجتمعوا قال لهم : النجاء النجاء ﴿ وكان الله بما تعملون بصيرا ﴾ قرأ الجمهور ﴿ تعملون ﴾ بالفوقية : أي بما تعملون أيها المسلمون من ترتيب الحرب وحفر الخندق واستنصاركم به وتوكلكم عليه وقرأ أبو عمرو بالتحتية : أي بما يعمله الكفار من العناد لله ولرسوله والتحزب على المسلمين واجتماعهم عليهم من كل جهة
١٠ - ﴿ إذ جاءوكم من فوقكم ﴾ إذ هذه وما بعدها بدل من إذ الأولى والعامل في هذه هو العامل في تلك وقيل منصوبة بمحذوف هو اذكر ومعنى ﴿ من فوقكم ﴾ من أعلى الوادي وهو من جهة المشرق والذين جاءوا من هذه الجهة هم غطفان وسيدهم عيينة بن حصين وهوازن وسيدهم عوف بن مالك وأهل نجد وسيدهم طليحة بن خويلد الأسدي وانضم إليهم عوف بن مالك وبنوا النضير ومعنى ﴿ ومن أسفل منكم ﴾ من أسفل الوادي من جهة المغرب من ناحية مكة وهم قريش ومن معهم من الأحابيش وسيدهم أبو سفيان بن حرب وجاء أبو الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة من وجه الخندق ومعهم عامر بن الطفيل وجملة ﴿ وإذ زاغت الأبصار ﴾ معطوفة على ما قبلها : أي مالت عن كل شيء فلم تنظر إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب وقيل شخصت دهشا من فرط الهول والحيرة ﴿ وبلغت القلوب الحناجر ﴾ جمع حنجرة وهي جوف الحلقوم : أي ارتفعت القلوب عن مكانها ووصلت من الفزع والخوف إلى الحناجر فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها وهو الذي نهايته الحنجرة لخرجت كذا قال قتادة وقيل هو على طريق المبالغة المعهودة في كل العرب وإن لم ترتفع القلوب إلى ذلك المكان ولا خرجت عن موضعها ولكنه مثل في إضطرابها وجنبها قال الفراء : والمعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فإذا انتفخت الرئة ارتفع القلب إلى الحنجرة ولهذا يقال للجبان : انتفخ سحره ﴿ وتظنون بالله الظنونا ﴾ أي الظنون المختلفةن فبعضهم ظن النصر ورجا الظفر وبعضهم ظن خلاف ذلك وقال الحسن : ظن المنافقون أنه يستأصل محمد وأصحابه وظن المؤمنون أنه ينصر وقيل الآية خطاب للمنافقين والأولى ما قاله الحسن فيكون الخطاب لمن أظهر الإسلام على الإطلاق أعم من أن يكون مؤمنا في الواقع أو منافقا
واختلف القراء في هذه الألف في ﴿ الظنونا ﴾ : فأثبتها وصلا ووقفا نافع وابن عامر وأبو بكر ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو والكسائي وتمسكوا بخطف المصحف العثماني وجميع المصاحف في جميع البلدان فإن الألف فيها كلها ثابتة واختار هذه القراءة أبو عبيدة إلا أنه قال : لا ينبغي للقارئ أن يدرج القراءة بعدهن بل يقف عليهن وتمسكوا أيضا بما في أشعار العرب من مثل هذا وقرأ أبو عمرو وحمزة والجحدري ويعقوب بحذفها في الوصل والوقف معا وقالوا : هي من زيادات الخط فكتبت كذلك ولا ينبغي النطق بها وأما في الشعر فهو يجوز فيه للضرورة ما لا يجوز في غيره وقرأ ابن كثير والنسائي وابن محيصن بإثباتها وقفا وحذفها وصلا وهذه القراءة راجحة باعتبار اللغة العربية وهذه الألف هي التي تسميها النحاة ألف الإطلاق والكلام فيها معروف في علم النحو وهكذا اختلف القراء في الألف التي في قوله ﴿ الرسولا ﴾ و ﴿ السبيلا ﴾ كما سيأتي آخر هذه السورة