واللام في قوله : ٢٤ - ﴿ ليجزي الله الصادقين بصدقهم ﴾ يجوز أن يتعلق بصدقوا أو بزادهم أو بما بدلوا أو بمحذوف كأنه قيل : وقع جميع ما وقع ليجزي الله الصادقين بصدقهم ﴿ ويعذب المنافقين إن شاء ﴾ بما صدر عنهم من التغيير والتبديل جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بسبب تبديلهم وتغييرهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم فكل من الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا في طلبها والسعي لتحصيلها ومفعول إن شاء وجوابها محذوفان : أي إن شاء تعذيبهم عذبهم وذلك إذا أقاموا على النفاق ولم يتركوه ويتوبوا عنه ﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾ أي لمن تاب منهم وأقلع عما كان عليهم من النفاق
ثم رجع سبحانه إلى حكاية بقية القصة وما امتن به على رسوله والمؤمنين من النعمة فقال : ٢٥ - ﴿ ورد الله الذين كفروا ﴾ وهم الأحزاب والجملة معطوفة على ﴿ فأرسلنا عليهم ريحا ﴾ أو على المقدر عاملا في ليجزي الله الصادقين بصدقهم كأنه قيل : وقع ما وقع من الحواديث ورد الله الذين كفروا ومحل ﴿ بغيظهم ﴾ النصب على الحال والباء للمصاحبة : أي حال كونهم متلبسين بغيظهم ومصاحبين له ويجوز أن تكون للسببية وجملة ﴿ لم ينالوا خيرا ﴾ في محل نصب على الحال أيضا من الموصول أو من الحال الأولى على التعاقب أو التداخل والمعنى : أن الله ردهم بغيظهم لم يشف صدورهم ولا نالوا خيرا في اعتقادهم وهو الظفر بالمسلمين أو لم ينالوا خيرا أي خير بل رجعوا خاسرين لم يربحوا إلا عناء السفر وغرم النفقة ﴿ وكفى الله المؤمنين القتال ﴾ بما أرسله من الريح والجنود من الملائكة ﴿ وكان الله قويا عزيزا ﴾ على كل ما يريده إذا قال له كن كان عزيزا غالبا قاهرا لا يغالبه أحد من خلقه ولا يعارضه معارض في سلطانه وجبروته
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ سلقوكم ﴾ قال : استقبلوكم وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ وكان ذلك على الله يسيرا ﴾ قال : هينا وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر وابن النجار عن عمر في قوله :﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ قال : في جوع رسول الله وقد استدل بهذه الآية جماعة من الصحابة في مسائل كثيرة اشتملت عليها كتب السنة وهي خارجة عما نحن بصدده وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ ولما رأى المؤمنون الأحزاب ﴾ إلى آخر الآية قال : إن الله قال لهم في سورة البقرة ﴿ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء ﴾ فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق ﴿ قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ﴾ فتأول المسلمون ذلك فلم يزدهم ﴿ إلا إيمانا وتسليما ﴾ وأخرج البخاري وغيره عن أنس قال : نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر ﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ وأخرج ابن سعد وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي والبغوي في معجمه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه و سلم غبت عنه لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بعد ليرين اله ما أصنع فشهد يوم أحد فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا أبا عمرو وأين ؟ قال : واها لريح الجنة أجدها دون أحد فقاتل حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية ونزلت هذه الآية ﴿ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه وقد روي عنه نحوه من طريق أخرى عند الترمذي وصححه والنسائي وغيرهما وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له ثم قرأ ﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ الآية ثم قال : أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله فأتوهم وزوروهم والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه ] وقد تعقب الحاكم في تصحيحه الذهبي كما ذكر ذلك السيوطي ولكنه قد أخرج الحاكم حديثا آخر وصححه وأخرجه أيضا البيهقي في الدلائل عن أبي ذر قال :[ لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد مر على مصعب بن عمير مقتولا على طريقه فقرأ ﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ﴾ الآية ] وأخرج ابن مردويه من حديث خباب مثله وهما يشهدان لحديث أبي هريرة وأخرج الترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن طلحة [ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم أني اطلعت من باب المسجد فقال : أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال الأعرابي : أنا قال : هذا ممن قضى نحبه ] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من حديثه نحوه وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن معاوية قال :[ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : طلحة ممن قضى نحبه ] وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى وأبو نعيم وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة ] وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن علي أن هذه الآية نزلت في طلحة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ﴿ فمنهم من قضى نحبه ﴾ قال : الموت على ما عاهدوا الله عليه ومنهم من ينتظر الموت على ذلك وأخرج أحمد والبخاري وابن مردويه عن سليمان بن صرد قال :[ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب : الآن نغزوهم ولا يغزونا ] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله :﴿ فمنهم من قضى نحبه ﴾ قال : مات على ما هو عليه من التصديق والإيمان ﴿ ومنهم من ينتظر ﴾ ذلك ﴿ وما بدلوا تبديلا ﴾ لم يغيروا كما غير المنافقون


الصفحة التالية
Icon