٥٤ - ﴿ إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ﴾ يعلم كل شيء من الأشياء ومن جملة ذلك ما تظهرونه في شأن أزواج رسوله وما تكتمونه في صدوركم وفي هذا وعيد شديد لأن إحاطته بالمعلومات تستلزم المجازاة على خيرها وشرها
ثم بين سبحانه من لا يلزم الحجاب منه فقال : ٥٥ - ﴿ لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ﴾ فهؤلاء لا يجب على نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا غيرهن من النساء الاحتجاب منهم ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين وقال الزجاج : العم والخال ربما يصفان المرأة لولديهما فإن المرأة تحل لابن العم وابن الخال فكره لهما الرؤية وهذا ضعيف جدا فإن تجويز وصف المرأة لمن تحل له ممكن من غيرهما ممن يجوز له النظر إليها لا سيما أبناء الإخوة وأبناء الأخوات واللازم باطل فالملزوم مثله وهكذا يستلزم أن لا يجوز للنساء الأجنبيات أن ينظرن إليها لأنهن يصفنها واللازم باطل فالملزوم مثله وهكذا لا وجه لما قاله الشعبي وعكرمة من أنه يكره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها والأولى أن يقال أنه سبحانه اقتصر ههنا على بعض ما ذكره من المحارم في سورة النور اكتفاء بما تقدم ﴿ ولا نسائهن ﴾ هذه الإضافة تقتضي أن يكون المراد بالنساء المؤمنات لأن الكافرات غير مأمونات على العورات والنساء كلهن عورة ﴿ ولا ما ملكت أيمانهن ﴾ من العبيد والإماء وقيل الإماء خاصة ومن لم يبلغ من العبيد والخلاف في ذلك معروف وقد تقدم في سورة النور ما فيه كفاية ثم أمرهن سبحانه بالتقوى التي هي ملاك الأمر كله ﴿ و ﴾ المعنى ﴿ اتقين ﴾ الله في كل الأمور التي من جملتها ما هو مذكور هنا ﴿ إن الله كان على كل شيء شهيدا ﴾ لم يغب عنه شيء من الأشياء كائنا ما كان فهو مجاز للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساءته
وقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس قال : قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن فأنزل الله الحجاب وفي لفظ أنه قال عمر : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال لما تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي صلى الله عليه و سلم ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه و سلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنز الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ﴾ الآية وأخرج ابن جرير عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر بصوته الأعلى : قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله الحجاب قال :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ﴾ الآية وأخرج ابن سعد عن أنس قال : نزلت الحجاب مبتنى رسول الله صلى الله عليه و سلم بزينب بنت جحش وذلك سنة خمس من الهجرة وحجب نساءه من يومئذ وأنا ابن خمس عشرة سنة وكذا أخرج ابن سعد عن صالح بن كيسان وقال : نزل الحجاب على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة وبه قال قتادة والواقدي وزعم أبو عبيدة وخليفة بن خياط أن ذلك كان في سنة ثلاث وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ﴾ قال : نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه و سلم بعده قال سفيان : وذكروا أنها عائشة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال : أيحدبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا ؟ لئن حدث به حدث لنتزوج نساءه من بعده فنزلت هذه الآية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن عيد وابن المنذر عن قتادة قال : قال طلحة بن عبيد الله : لو قبض النبي صلى الله عليه و سلم لتزوجت عائشة فنزلت وأخرج ابن سعد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : نزلت في طلحة لأنه قال : إذا توفي النبي صلى الله عليه و سلم تزوجت عائشة قال ابن عطية : وهذا عندي لا يصح على طلحة بن عبيد الله قال القرطبي : قال شيخنا الإمام أبو العباس : وقد حكي هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة وحاشاهم عن مثله وإنما الكذب في نقله وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجهال وأخرج البيهقي في السنن عن ابن عباس قال : قال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : لو قد مات رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجت عائشة أو أم سلمة فأنزل الله ﴿ وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ﴾ الآية وأخرج ابن جرير عنه [ أن رجلا أتى بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فكلمها وهو ابن عمها فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا فقال : يا رسول الله إنها ابنة عمي والله ما قلت لها منكرا ولا قالت لي قال النبي صلى الله عليه و سلم : قد عرفت ذلك إنه ليس أحد أغير من الله وإنه ليس أحد أغير مني فمضى ثم قال : يمنعني من كلام ابنة عمي لأتزوجها من بعده فأنزل الله هذه الآية فأعتق ذلك الرج رقبة وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله وحج ماشيا توبة من كلمته ] وأخرج ابن مردويه [ عن أسماء بنت عميس قالت : خطبني علي فبلغ ذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : إن أسماء متزوجة عليا فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله ] وأخرج ابن سعد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قوله :﴿ إن تبدوا شيئا أو تخفوه ﴾ قال : إن تكلموا به فتقولون تتزوج فلانة لبعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أو تخفوا ذلك في أنفسكم فلا تنطقوا به يعلمه الله وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ لا جناح عليهن ﴾ إلى آخر الآية قال : أنزلت هذه في نساء النبي صلى الله عليه و سلم :﴿ نساء النبي ﴾ يعني نساء المسلمات ﴿ وما ملكت أيمانهم ﴾ من المماليك والإماء ورخص لهن أن يروهن بعد ما ضرب الحجاب عليهن


الصفحة التالية
Icon