ثم توعد سبحانه أهل النفاق والإرجاف فقال : ٦٠ - ﴿ لئن لم ينته المنافقون ﴾ عما هم عليه من النفاق ﴿ والذين في قلوبهم مرض ﴾ أي شك وريبة عما هم عليه من الاضطراب ﴿ والمرجفون في المدينة ﴾ عما يصدر منهم من الإرجاف بذكر الأخبار الكاذبة المتضمنة لتوهين جانب المسلمين وظهور المشركين عليهم قال القرطبي : أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد والمعنى : أن المنافقين قد جمعوا بين النفاق ومرض القلوب والإرجاف على المسلمين فهو على هذا من باب قوله :

( إلى الملك القروم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم )
أي إلى الملك القرم بن الهمام ليث الكتيبة وقال عكرمة وشهر بن حوشب : الذين في قلوبهم مرض هم الزناة والإرجاف في اللغة : إشاعة الكذب والباطل يقال أرجف بكذا : إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبرا متزلزلا غير ثابت من الرجفة وهي الزلزلة يقال رجفت الأرض : أي تحركت وتزلزلت ترجف رجفا والرجفان : الاضطراب الشديد وسمي البحر رجافا لاضطرابه ومنه قول الشاعر :
( المطعمون اللحم كل عشية حتى تغيب الشمس في الرجاف )
والإرجاف واحد الأراجيف وأرجفوا في الشيء خاضوا فيه ومنه قول شاعر :
( فإنا وإن عيرتمونا بقلة وأرجف بالإسلام باغ وحاسد )
وقول الآخر :
( أبالأراجيف يابن اللوم توعدني وفي الأراجيف خلت اللؤم والخور )
وذلك بأن هؤلاء المرجفين كانوا يخبرون عن سرايا المسلمين بأنهم هزموا وتارة بأنهم قتلوا وتارة بأنهم غلبوا ونحو ذلك مما تنكسر له قلوب المسلمين من الأخبار فتوعدهم الله سبحانه بقوله :﴿ لنغرينك بهم ﴾ أي لنسلطنك عليهم بالقتل والتشريد بأمرنا لك بذلك قال المبرد : قد أغراه الله بهم في قوله بعد هذه الآية
٦١ - ﴿ ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ﴾ فهذا فيه معنى الأمر بقتلهم وأخذهم : أي هذا حكمهم إذا كانوا مقيمين على النفاق والإرجاف قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في الآية وأقول ليس هذا بحسن ولا أحسن فإن قوله ملعونين إلخ إنما هو لمجرد الدعاء عليهم لا أنه أمر لرسول الله صلى الله عليه و سلم بقتالهم ولا تسليط له عليهم وقد قيل إنهم انتهوا بعد نزول هذه الآية عن الإرجاف فلم يغره الله بهم وجملة ﴿ لنغرينك بهم ﴾ جواب القسم وجملة ﴿ ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ﴾ معطوفة على جملة جواب القسم : أي لا يجاورونك فيها إلا جوارا قليلا حتى يهلكوا وانتصاب ﴿ ملعونين ﴾ على الحال كما قال المبرد وغيره والمعنى مطرودين ﴿ أينما ﴾ وجدوا وأدركوا ﴿ أخذوا وقتلوا ﴾ دعاء عليهم بأن يؤخذوا ويقتلوا ﴿ تقتيلا ﴾ وقيل إن هذا هو الحكم فيهم وليس بدعاء عليهم والأول أولى وقيل معنى الآية : أنهم أصروا على النفاق لم يكن لهم مقام بالمدينة إلا وهم مطرودون


الصفحة التالية
Icon