لما ذكر سبحانه حال بعض الشاكرين لنعمه عقبه بحال بعض الجاحدين لها فقال : ١٥ - ﴿ لقد كان لسبإ ﴾ المراد بسبأ القبيلة التي هي من أولاد سبأ وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود قرأ الجمهور ﴿ لسبإ ﴾ بالجر والتنوين على أنه اسم حي : أي الحي الذين هم أولاد سبأ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿ لسبإ ﴾ ممنوع الصرف بتأويل القبيلة واختار هذه القراءة أبو عبيد ويقوي القراءة الأولى قوله :﴿ في مساكنهم ﴾ ولو كان على تأويل القبيلة لقال في مساكنها فما ورد على القراءة الأولى قول الشاعر :
( الواردون وتيم في ذرى سبإ | قد عض أعناقها جلد الجواميس ) |
ومما ورد على القراءة الثانية قول الشاعر :
( من سبأ الحاضرين مأرب إذ | يبنون من دون مسيله العرما ) |
وقرأ قنبل وأبو حيوة والجحدري لسبأ بإسكان الهمزة وقرئ بقلبها ألفا وقرأ الجمهور
﴿ في مساكنهم ﴾ على الجمع واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ووجه الاختيار أنها كانت لهم منازل كثيرة ومساكن متعددة وقرأ حمزة وحفص بالإفراد مع فتح الكاف وقرأ الكسائي بالإفراد مع كسرها وبهذه القراءة قرأ يحيى بن وثاب والأعمش ووجه الإفراد أنه مصدر يشمل القليل والكثير أو اسم مكان وأريد به معنى الجمع وهذه المساكن التي كانت لهم هي التي يقال لها الآن مأرب وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال ومعنى قوله :
﴿ آية ﴾ أي علامة دالة على كمال قدرة الله وبديع صنعه ثم بين هذه الآية فقال :
﴿ جنتان ﴾ وارتفاعهما على البدل من آية قاله الفراء أو على أنهما خبر مبتدأ محذوف قاله الزجاج أو على أنهما مبتدأ وخبره عن يمين وشمال واختار هذا الوجه ابن عطية وفيه أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة من غير مسوغ وقرأ ابن أبي عبلة جنتين بالنصب على أنهما خبر ثان واسمها آية وهاتان الجنتان كانتا عن يمين واديهم وشماله قد أحاطتا به من جهتيه وكانت مساكنهم في الوادي والآية هي الجنتان كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها الكتل فيمتلئ من أنواع الفواكه التي تتساقط من غير أن تمسها بيدها وقال عبد الرحمن بن زيد : إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة ولا ذبابا ولا برغوثا ولا قملة ولا عقربا ولا حية ولا غير ذلك من الهوام وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل ماتت عند رؤيتهم لبيوتهم قال القشيري : ولم يرد جنتين إثنتين بل أراد من الجهتين يمنة ويسرة في كل جهة بساتين كثيرة
﴿ كلوا من رزق ربكم ﴾ أي قيل لهم ذلك ولم يكن ثم أمر ولكن المراد تمكينهم من تلك النعم وقيل إنها قالت لهم الملائكة والمراد بالرزق هو ثمار الجنتين وقيل إنهم خوطبوا بذلك على لسان نبيهم
﴿ واشكروا له ﴾ على ما رزقكم من هذه النعم واعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه وجملة
﴿ بلدة طيبة ورب غفور ﴾ مستأنفة لبيان موجب الشكر والمعنى : هذه بلدة طيبة لكثرة أشجارها وطيب ثمارها وقيل معنى كونها طيبة : أنها غير سبخة وقيل ليس فيها هوام وقال مجاهد : هي صنعاء ومعنى
﴿ ورب غفور ﴾ أن المنعم عليهم رب غفور لذنوبهم قال مقاتل : المعنى وربكم إن شكرتم فيها رزقكم رب غفور للذنوب وقيل إنما جمع لهم بين طيب البلدة والمغفرة للإشارة إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام وقرأ ورش بنصب بلدة ورب على المدح أو على تقدير اسكنوا بلدة واشكروا ربا