ومحل الموصول في قوله : ٥ - ﴿ الذين كفروا لهم عذاب شديد ﴾ الرفع على الابتداء ولهم عذاب شديد خبره أو الرفع على البدل من فاعل يكونوا أو النصب علىالبدل من حزبه أو النعت له أو إضمار فعل يدل على الذم لأنه سبحانه بعد ذكر عداوة الشيطان ودعائه لحزبه ذكر حال الفريقين من المطيعين له والعاصين عليه فالفريق الأول قال ﴿ لهم عذاب شديد ﴾ والفريق الآخر قال فيه ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ﴾ أي يغفر الله لهم بسبب الإيمان والعمل الصالح ويعطيهم أجرا كبيرا وهو الجنة
٦ - ﴿ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ﴾ هذه الجملة مستأنفة لتقرير ما سبق من ذكر التفاوت بين الفريقين و من في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف قال الكسائي : والتقدير ذهبت نفسك عليهم حسرات قال : ويدل عليه قوله :﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ﴾ قال : وهذا كلام عربي ظريف لا يعرفه إلا القليل وقال الزجاج : تقديره كمن هداه وقدره غيرهما كمن لم يزين له وهذا أولى لموافقته لفظا ومعنى وقد وهم صاحب الكشاف فحكى عن الزجاج ما قاله الكسائي قال النحاس : والذي قاله الكسائي أحسن ما قيل في الآية لما ذكره من الدلالة على المحذوف والمعنى : أن الله عز و جل نهى نبيه صلى الله عليه و سلم عن شدة الاغتنام بهم والحزن عليهم كما قال :﴿ فلعلك باخع نفسك ﴾ وجملة ﴿ فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ مقررة لما قبلها : أي يضل من يشاء أن يضله ويهدي من يشاء أن يهديه ﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ﴾ قرأ الجمهور بفتح الفوقية والهاء مسندا إلى النفس فتكون من باب : لا أرينك ها هنا وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن محيصن والأشهب بضم التاء وكسر الهاء ونصب ﴿ نفسك ﴾ وانتصاب ﴿ حسرات ﴾ على أنه علة : أي للحسرات ويجوز أن ينتصب على الحال كأنها صارت كلها حسرات لفرط التحسر كما روي عن سيبويه وقال المبرد : إنا تمييز والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر ﴿ إن الله عليم بما يصنعون ﴾ لا يخفى عليه من أفعالهم وأقوالهم خافية والجملة تعليل لما قبلها مع ما تضمنته من الوعيد الشديد
وقد أخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها يقول : ابتدأتها وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال :﴿ فاطر السموات ﴾ بديع السموات وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله :﴿ يزيد في الخلق ما يشاء ﴾ قال : الصوت الحسن وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله :﴿ ما يفتح الله للناس من رحمة ﴾ الآية قال : ما يفتح الله للناس من باب توبة ﴿ فلا ممسك لها ﴾ هم يتوبون إن شاءوا أو إن أبوا وما أمسك من باب توبة ﴿ فلا مرسل له من بعده ﴾ وهم لا يتوبون وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في الآية قال : يقول ليس لك من الأمر شيء وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ لهم مغفرة وأجر كبير ﴾ قال : كل شيء في القرآن لهم مغفرة وأجر كبير ورزق كريم فهو الجنة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة والحسن في قوله :﴿ أفمن زين له سوء عمله ﴾ قال : الشيطان زين لهم هي والله الضلالات ﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ﴾ أي لا تحزن عليهم


الصفحة التالية
Icon