ثم ذكر سبحانه نوعا من أنواع قدرته الباهرة وخلقا من مخلوقاته البديعة فقال : ٢٧ - ﴿ ألم تر ﴾ والخطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم أو لكل من يصلح له ﴿ أن الله أنزل من السماء ماء ﴾ وهذه الرؤية هي القلبية : أي ألم تعلم وأن واسمها وخبرها سدت مسد المفعولين ﴿ فأخرجنا به ﴾ أي بالماء والنكتة في هذا الالتفات إظهار كمال العناية بالفعل لما فيه من الصنع البديع وانتصاب ﴿ مختلفا ألوانها ﴾ على الوصف لثمرات والمراد بالألوان الأجناس والأصناف : أي بعضها أبيض وبعضها أحمر وبعضها أصفر وبعضها أخضر وبعضها أسود ﴿ ومن الجبال جدد ﴾ الجدد جمع جدة وهي الطريق قال الأخفش : ولو كان جمع جديد لقال جدد بضم الجيم والدال نحو سرير وسرر قال زهير :
( كأنه أسفع الخدين ذو جدد | طار ويرتع بعد الصيف أحيانا ) |
( جون السراة له جدائد أربع )
قال المبرد : جدد : طرائق وخطوط قال الواحدي : ونحو هذا قال المفسرون في تفسير الجدد وقال الفراء : هي الطرق تكون في الجبال كالعروق بيض وسود وحمر واحدها جدة والمعنى : أن الله سبحانه أخبر عن جدد الجبال وهي طرائقها أو الخطوط التي فيها بأن لون بعضها البياض ولون بعضها الحمرة وهو معنى قوله :﴿ بيض وحمر مختلف ألوانها ﴾ قرأ الجمهور ﴿ جدد ﴾ بضم الجيم وفتح الدال وقرأ الزهري بضمهما جمع جديدة وروي عنه أنه قرأ بفتحهما وردها أبو حاتم وصححها غيره وقال : الجدد الطريق الواضح البين ﴿ وغرابيب سود ﴾ الغربيب الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب قال الجوهري : تقول هذا أسود غربيب : أي شديد السواد وإذا قلت غرابيب سود جعلت السود بدلا من غرابيب قال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير تقديره وسود غرابيب لأنه يقال أسود غربيب وقل ما يقال غربيب أسود وقوله :﴿ مختلف ألوانها ﴾ صفة لجدد وقوله :﴿ وغرابيب ﴾ معطوف على جدد على معنى : ومن الجبال جدد بيض وحمر ومن الجبال غرابيب على لون واحد وهو السواد أو على حمر على معنى ومن الجبال جدد بيض وحمر وسود وقيل معطوف على بيض ولا بد من تقدير مضاف محذوف قبل جدد : أي ومن الجبال ذو جدد لأن الجدد إنما هي في ألوان بعضها