٣٤ - ﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ قرأ الجمهور ﴿ الحزن ﴾ بفتحتين وقرأ جناح بن حبيش بضم الحاء وسكون الزاي والمعنى : أنهم يقولون هذه المقالة إذا دخلوا الجنة قال قتادة : حزن الموت وقال عكرمة : حزن السيئات والذنوب وخوف رد الطاعات وقال القاسم : حزن زوال النعم وخوف العاقبة وقيل حزن أهوال يوم القيامة وقال الكلبي : ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة وقال سعيد بن جبير : هم الخبز في الدنيا وقيل هم المعيشة وقال الزجاج : أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو معاد وهذا أرجح الأقوال فإن الدنيا وإن بلغ نعيمها أي بلغ لا تخلو من شوائب ونوائب تكثر لأجلها الأحزان وخصوصا أهل الإيمان فإنهم لا يزالون وجلين من عذاب الله خائفين من عقابه مضطربي القلوب في كل حين هل تقبل أعمالهم أو ترد ؟ حذرين من عاقبة السوء وخاتمة الشر ثم لا تزال همومهم وأحزانهم حتى يدخلوا الجنة وأما أهل العصيان : فهم وإن نفس عن خناقهم قليلا في حياة الدنيا التي هي دار الغرور وتناسوا دار القرار يوما من دهرهم فلا بد أن يشتد وجلهم وتعظم مصيبتهم وتغلي مراجل أحزانهم إذا شارفوا الموت وقربوا من منازل الآخرة ثم إذا قبضت أرواحهم ولاح لهم ما يسوؤهم من جزاء أعمالهم ازدادوا غما وحزنا فإن تفضل الله عليهم بالمغفرة وأدخلهم الجنة فقد أذهب عنهم أحزانهم وأزال غمومهم وهمومهم ﴿ إن ربنا لغفور شكور ﴾ أي غفور لمن عصاه شكور لمن أطاعه
٣٥ - ﴿ الذي أحلنا دار المقامة من فضله ﴾ أي دار الإقامة التي يقام فيها أبدا ولا ينتقل عنها تفضلا منه ورحمة ﴿ لا يمسنا فيها نصب ﴾ أي لا يصيبنا في الجنة عناء ولا تعب ولا مشقة ﴿ ولا يمسنا فيها لغوب ﴾ وهو الإعياء من التعب والكلال من النصب
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ثمرات مختلفا ألوانها ﴾ قال : الأبيض والأحمر والأسود وفي قوله :﴿ ومن الجبال جدد ﴾ قال : طرائق ﴿ بيض ﴾ يعني الألوان وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : الغربيب الأسود الشديد السواد وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله :﴿ ومن الجبال جدد ﴾ قال : طرائق تكون في الجبل بيض ﴿ وحمر ﴾ فتلك الجدد ﴿ وغرابيب سود ﴾ قال : جبال سود ﴿ ومن الناس والدواب والأنعام ﴾ قال :﴿ كذلك ﴾ اختلاف الناس والدواب والأنعام كاختلاف الجبال ثم قال :﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾ قال : فصل لما قبلها وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾ قال : العلماء بالله الذين يخافونه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي عن ابن مسعود قال : ليس العلم من كثرة الحديث ولكن العلم من الخشية وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد والطبراني عنه قال : كفى بخشية الله علما وكفى باغترار بالله جهلا وأخرج أحمد في الزهد عنه أيضا قال : ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال : بحسب المؤمن من العلم أن يخشى الله وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ﴿ إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة ﴾ الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله :﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ﴾ قال : هم أمة محمد صلى الله عليه و سلم ورثهم الله كل كتاب أنزل فظالمهم مغفور له ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب وأخرج الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أنه قال في هذه الآية ﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ﴾ قال : هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم يدخلون الجنة ] وفي إسناده رجلان مجهولان قال الإمام أحمد في مسنده قال : حدثنا شعبة عن الوليد بن العيزار أنه سمع رجلا من ثقيف
يحدث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال :[ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قال الله ﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ﴾ فأما الذين سبقوا فأولئك الذي يدخلون الجنة بغير حساب وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طلول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون ﴿ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ﴾ إلى آخر الآية ] قال البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا اه وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول لأنه رواه من طريق الأعمش عن رجل عن أبي ثابت عن أبي الدرداء ورواه ابن جرير عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم
يدخلون الجنة وثلث يمحصون ويكشفون ثم تأتي الملائكة فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلا الله وحده فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب وهي التي قال الله :﴿ وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ﴾ وتصديقا في التي ذكر في الملائكة قال الله تعالى :﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ﴾ فجعلهم ثلاثة أفواج فمنهم ظالم لنفسه فهذا الذي يكشف ويمحص ومنهم مقتصد وهو الذي يحاسب حسابا يسيرا ومنهم سابق بالخيرات فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب بإذن الله يدخلونها جميعا ] قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدا اهـ وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ويجب المصير إليها ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر ويؤيدها ما أخرجه الطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد :﴿ فمنهم ظالم لنفسه ﴾ الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ كلهم من هذه الأمة وكلهم في الجنة ] وما أخرجه الطيالسي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال : قلت لعائشة أرأيت قول الله ﴿ ثم أورثنا الكتاب ﴾ الآية قالت : أما السابق فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم فشهد له بالجنة وأما المقتصد فمن تبع آثارهم فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا وكل في الجنة وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا وثلث يجيئون بذنوب عظام إلا أنهم لا يشركوا فيقول الرب : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي ثم قرأ ﴿ ثم أورثنا الكتاب ﴾ الآية وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية ﴿ ثم أورثنا الكتاب ﴾ قال : ألا إن سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له وأخرجه العقيلي وابن مردويه والبيقهي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعا وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعا وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه و سلم وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآية ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهدنا ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا ألا وإن ظلمنا أهل بدونا وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله :﴿ فمنهم ظالم لنفسه ﴾ الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعا الجنة وأخرج الفريابي و ابن جرير و ابن مردويه عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية ﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ﴾ قال : كلهم ناج وهي هذه الأمة وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون : صنفان ناجيان وصنف هالك وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عنه في قوله :﴿ فمنهم ظالم لنفسه ﴾ قال : هو الكافر والمقتصد أصحاب اليمين وهذا المروي عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني ولا يوافق ما قدمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن جماعة من الصحابة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن الحرث أن ابن عباس سأكل كعبا عن هذه الآية فقال نجوا كلهم ثم قال : تحاكت مناكبهم ورب الكعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم وقد قدمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين فتعارضت الأقوال عنه وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم تلا قول الله :﴿ جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ فقال : إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وقالوا الحمد لله ﴾ الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله ويجتهدون له في العبادة سرا وعلانية وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت فعندها ﴿ قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ﴾ غفر لنا العظيم وشكر لنا القليل من أعمالنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار