٤٤ - ﴿ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ﴾ هذه الجملة مسوقة لتقرير معنى ما قبلها وتأكيده : أي ألم يسيروا في الأرض فينظروا ما أنزلنا بعاد وثماد ومدين وأمثالهم من العذاب لما كذبوا الرسل فإن ذلك هو من سنة الله في المكذبين التي لا تبدل ولا تحول وآثار عذابهم وما أنزل الله بهم موجودة في مساكنهم ظاهرة في منازلهم ﴿ و ﴾ الحال أن أولئك ﴿ كانوا أشد منهم قوة ﴾ وأطول أعمارا وأكثر أموالا وأقوى أبدانا ﴿ وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض ﴾ أي ما كان ليسبقه ويفوته من شيء من الأشياء كائنا ما كان فيهما ﴿ إنه كان عليما قديرا ﴾ أي كثير العلم وكثير القدرة لا يخفى عليه شيء ولا يصعب عليه أمر
٤٥ - ﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ﴾ من الذنوب وعملوا من الخطايا ﴿ ما ترك على ظهرها ﴾ أي الأرض ﴿ من دابة ﴾ من الدواب التي تدب كائنة ما كانت أما بنو آدم فلذنوبهم وأما غيرهم فلشؤم معاصي بني آدم وقيل المراد ما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب من بني آدم والجن وقد قال بالأول ابن مسعود وقتادة وقال بالثاني الكلبي وقال ابن جريج والأخفش والحسين بن الفضل : أراد بالدابة هنا الناس وحدهم دون غيرهم ﴿ ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ﴾ وهو يوم القيامة ﴿ فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ﴾ أي بمن يستحق منهم الثواب ومن يستحق منهم العقاب والعامل في إذا هو : جاء إلى بصيرا وفي هذا تسلية للمؤمنين ووعيد للكافرين
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في السنن عن ابن عباس في قوله :﴿ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ﴾ قال : ستين سنة وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب عنه أن النبي صلى الله علهي وسلم قال :[ إذا كان يوم القيامة قيل أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ] وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي وفيه مقال وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أعذر الله إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ ستين سنة ] وأخرج عبد بن حميد والطبراني والحاكم وابن مردويه عن سهل بن سعد مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة وأخرج الترمذي وابن ماجه والحاكم وابن المنذر والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك ] قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة وقد روي من غير وجه عنه وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو ست وأربعون سنة وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ﴾ أربعون سنة وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني في الإفراد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول على المنبر :[ قال وقع في نفس موسى هل ينام الله عز و جل ؟ فأرسل الله إليه ملكا فأرقه ثلاثا وأعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة فاصفقت يداه وانكسرت القارورتان قال : ضرب الله له مثلا إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض ] وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أن موسى فذكره نحوه وأخرج الفريابي وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم ثم قرأ ﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ﴾ الآية


الصفحة التالية
Icon