لما وقع منهم مع حبيب النجار غضب الله له وعجل لهم النقمة وأهلكهم بالصيحة ومعنى ٢٨ - ﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده ﴾ أي على قوم حبيب النجار من بعد قتلهم له أو من بعد رفع الله له إلى السموات على الاختلاف السابق ﴿ من جند من السماء ﴾ لإهلاكهم وللانتقام منهم : أي لم نحتج إلى إرسال جنود من السماء لإهلاكهم كما وقع ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم يوم بدر من إرسال الملائكة لنصرته وحرب أعدائه ﴿ وما كنا منزلين ﴾ أي وما صح في قضائنا وحكمتنا أن ننزل لإهلاكهم جندا لسبق قضائنا وقدرنا بإن إهلاكهم بالصيحة لا بإنزال الجند وقال قتادة ومجاهد والحسن : أي ما أنزلنا عليهم من رسالة من السماء ولا نبي بعد قتله وروي عن الحسن أنه قال : هم الملائكة النازلون بالوحي على الأنبياء والظاهر أن معنى النظم القرآني تحقير شأنهم وتصغير أمرهم : أي ليسوا بأحقاء بأن ننزل لإهلاكهم جندا من السماء
بل أهلكناهم بصيحة واحدة كما يفيده قوله : ٢٩ - ﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة ﴾ أي إن كانت العقوبة أو النقمة أو الأخذة إلا صيحة واحدة صاح بها جبريل فأهلكهم قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدنية ثم صاح بهم صيحة فإذا هم ميتون لا يسمع لهم حس كالنار إذا طفئت وهو معنى قوله :﴿ فإذا هم خامدون ﴾ أي قوم خامدون ميتون شبههم بالنار إذا طفئت لأن الحياة كالنار الساطعة والموت كخمودها قرأ الجمهور ﴿ صيحة ﴾ بالنصب على أن كان ناقصة واسمها ضمير يعود إلى ما يفهم من السياق كما قدمنا وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج ومعاذ والقاري برفعها على أن كان تامة : أي وقع وحدث وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث في قوله :﴿ إن كانت ﴾ قال أبو حاتم : فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال إن كان إلا صيحة وقدر الزجاج هذه القراءة بقوله : إن كانت عليهم صيحة إلا صيحة واحدة وقدرها غيره : ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة وقرأ عبد الله بن مسعود إن كانت إلا زقية واحدة والزقية الصيحة قال النحاس : وهذا مخلف للمصحف وأيضا فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح ومنه المثل أثقل من الزواقي فكان يجب على هذا أن تكون زقوة ويجاب عنه بما ذكره الجوهري قال : الزقو والزقي مصدر وقد زقا الصدا يزقو زقا : أي صاح : وكل صائح زاق والزقية الصيحة


الصفحة التالية
Icon