لما ذكر الله سبحانه حال الكافرين أتبعه بحكاية حال عباده الصالحين وجعله من جملة ما يقال للكفار يومئذ زيادة لحسرتهم وتكميلا لجزعهم وتتميما لما نزل بهم من البلاء وما شاهدوه من الشقاء فإذا رأوا ما أعده الله لهم من أنواع العذاب وما أعده لأوليائه من أنواع النعيم بلغ ذلك من قلوبهم مبلغا عظيما وزاد في ضيق صدورهم بزيادة لا يقادر قدرها والمعنى ٥٥ - ﴿ إن أصحاب الجنة ﴾ في ذلك ﴿ اليوم في شغل ﴾ بما هم فيه من اللذات الي هي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر عن الاهتمام بأمر الكفار ومصيرهم إلى النار وإن كانوا من قرابتهم والأولى عدم تخصيص الشغل بشيء معين وقال قتادة ومجاهد : شغلهم ذلك اليوم بافتضاض العذاريى وقال وكيع : شغلهم بالسماع وقال ابن كيسان : بزيادة بعضهم بعضا وقيل شغلهم كونهم ذلك اليوم في ضيافة الله قرأ الكوفيون وابن عامر :﴿ شغل ﴾ بضمتين وقرأ الباقون بضم الشين وسكون الغين : وهما لغتان كما قال الفراء وقرأ مجاهد وأبو السماك بفتحتين وقرأ يزيد النحوي وابن هبيرة بفتح الشين وسكون الغين وقراءة الجمهور ﴿ فاكهون ﴾ بالرفع على أنه خبر إن وفي شغل متعلق به أو في محل نصب على الحال : ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر إن وفاكهون خبر ثان وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف فاكهين بالنصب على أنه حال وفي شغل هو الخبر وقرأ الحسن وأبو جعفر وأبو حيوة وأبو رجاء وشيبة وقتادة ومجاهد فكهون قال الفراء : هما لغتان كالفاره والفره والحاذر والحذر وقال الكسائي وأبو عبيدة الفاكه : ذو الفاكهة مثل تامر ولابن والفكه : المتفكه والمتنعم وقال قتادة : الفكهون : المعجبون وقال أبو زيد : يقالك رجل فكه : إذا كان طيب النفس ضحوكا وقال مجاهد والضحاك كما قال قتادة وقال السدي كما قال الكسائي
٥٦ - ﴿ هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ﴾ هذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان كيفية شغلهم وتفكههم وتكميلها بما يزيدهم سرورا وبهجة من كون أزواجهم معهم على هذه الصفة من الاتكاء على الأرائك فالضمير وهو هم مبتدأ و أزواجهم معطوف عليه والخبر متكئون ويجوز أن يكون هم تأكيدا للضمير في فاكهون و أزواجهم معطوف على ذلك الضمير وارتفاع متكئون على أنه خبر لمبتدأ محذوف و في ظلال متعلق به أو حال وكذا على الأرائك وجوز أبو البقاء أن يكون ﴿ في ظلال ﴾ هو الخبر و ﴿ على الأرائك ﴾ مستأنف قرأ الجمهور ﴿ في ظلال ﴾ بكسر الظاء وبالألف وهو جمع ظل وقرأ ابن مسعود وعبد بن عمير والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف ﴿ في ظلل ﴾ بضم الظاء من غير ألف جمع ظلة وعلى القراءتين فالمراد الفرش والستور التي تظللهم كالخيام والحجال والأرائك جمع أريكة كسفائن جميع سفينة والمراد بها السرر التي في الحجال قال أحمد بن يحيى ثعلب : الأريكة لا يكون إلا سريرا في قبة وقال مقاتل : إن المراد بالظلال أكنان القصور