ثم سلى سبحانه نبيه صلى الله عليه و سلم فقال : ٧٦ - ﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ هذا القول هو ما يفيده قوله :﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ﴾ فإنهم لا بد أن يقولوا هؤلاء آلهتنا وإنها شركاء لله في المعبودية ونحو ذلك وهو نهي من خاطبه عن الحضور لديه لا نهي نفسه عن الرؤية وهذا بعيد والأول أولى والكلام من باب التسلية كما ذكرنا ويجوز أن يكون المراد بالقول المذكور هو قولهم : إنه ساحر وشاعر ومجنون وجملة ﴿ إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ﴾ لتعليل ما تقدم من النهي فإن علمه سبحانه بما يظهرون ويضمرون مستلزم للمجازاة لهم بذلك وأن جميع ما صدر منهم لا يعزب عنه سواء كان خافيا أو باديا سرا أو جهرا مظهرا أو مضمرا وتقديم السر على الجهر للمبالغة في شمول علمه لجميع المعلومات
وجملة ٧٧ - ﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ﴾ مستأنفة مسوقة لبيان إقامة الحجة على من أنكر البعث وللتعجيب من جهله فإنه مشاهدة خلقهم في أنفسهم على هذه الصفة من البداية إلى النهاية مستلزمة للاعتراف بقدرة القادر الحكيم على ما هو دون ذلك من بعث الأجسام وردها كما كانت والإنسان المذكور في الآية المراد به جنس الإنسان كما في قوله :﴿ أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾ ولا وجه لتخصيصه بإنسان معين كما قيل : إنه عبد الله بن أبي وأنه قيل له ذلك لما أنكر البعث وقال الحسن : هو أمية بن خلف وقال سعيد بن جبير : فهو العاص بن وائل السهمي وقال قتادة ومجاهد : هو أبي بن خلف الجمحي فإن أحد هؤلاء وإن كان سببا للنزول فمعنى الآية خطاب الإنسان من حيث هو لا إنسان معين ويدخل من كان سببا للنزول تحت جنس الإنسان دخولا أوليا والنطفة هي اليسير من الماء وقد تقدم تحقيق معناها ﴿ فإذا هو خصيم مبين ﴾ هذه الجملة معطوفة على الجملة المنفية قبلها داخلة معها في حيز الإنكار المفهوم من الاستفهام وإذا هي الفجائية : أي ألم ير الإنسان أنا خلقناه من أضعف الأشياء ففجأ خصومتنا في أمر قد قامت فيه عليه حجج الله وبراهينه والخصيم الشديد الخصومة الكثير الجدال ومعنى المبين : المظهر لما يقوله الموضح له بقوة عارضته وطلاقة لسانه


الصفحة التالية
Icon