١٠٧ - ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ الذبح : اسم المذبوح وجمع ذبوح كالطحن اسم للمطحون وبالفتح المصدر ومعنى عظيم : عظيم القدر ولم يرد عظم الجثة وإنما عظم قدره لأنه فدى به الذبيح أو لأنه متقبل قال النحاس : العظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف وأهل التفسير على أنه ها هنا للشريف : أي المتقبل قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : أنزل عليه كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا وقال الحسن : ما فدي إلا بتيس من الأورى أهبط عليه من ثبير فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه قال الزجاج : قد قيل إنه فدي بوعل والوعل التيس الجبلي ومعنى الآية : جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح
١٠٨ - ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾
١٠٩ - ﴿ وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم ﴾ أي في الأمم الآخرة التي تأتي بعده والسلام الثناء الجميل وقال عكرمة : سلام منا وقيل سلامة من الآفات والكلام في هذا كالكلام في قوله :﴿ سلام على نوح في العالمين ﴾ وقد تقدم في هذه السورة بيان معناه ووجه إعرابه
١١٠ - ﴿ كذلك نجزي المحسنين ﴾ أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي من انقاد لأمر الله
١١١ - ﴿ إنه من عبادنا المؤمنين ﴾ أي الذين أعطوا العبودية حقها ورسخوا في الإيمان بالله وتوحيده
١١٢ - ﴿ وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ﴾ أي بشرنا إبراهيم بولد يولد له ويصير نبيا بعد أن يبلغ السن التي يتأهل فيها لذلك وانتصاب نبيا على الحال وهي حال مقدرة قال الزجاج : إن كان الذبيح إسحاق فيظهر كونها مقدرة والأولى أن يقال إن من فسر الذبيح بإسحاق جعل البشارة هنا خاصة بنبوته وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة فإن وجود ذي الحال ليس بشرط وإنما الشرط المقارنة للفعل ومن الصالحين كما يجوز أن يكون صفة لنبيا يجوز أن يكون حالا من الضمير المستتر فيه فتكون أحوالا متداخلة
١١٣ - ﴿ وباركنا عليه وعلى إسحاق ﴾ أي على إبراهيم وعلى إسحاق بمرادفة نعم الله عليهما وقيل كثرنا ولدهما وقيل إن الضمير في عليه يعود إلى إسماعيل وهو بعيد وقيل المراد بالمباركة هنا : هي الثناء الحسن عليهما إلى يوم القيامة ﴿ ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ﴾ أي محسن في عمله بالإيمان والتوحيد وظالم لها بالكفر والمعاصي لما ذكر سبحانه البركة في الذرية بين أن كون الذرية من هذا العنصر الشريف والحتد المبارك ليس بنافع لهم بل إنما ينتفعون بأعمالهم لا بآبائهم فإن اليهود والنصارى وإن كانوا من ولد إسحاق فقد صاروا إلى ما صاروا إليه من الضلال البين والعرب وإن كانوا من ولد إسماعيل فقد ماتوا على الشرك إلا من أنقذه الله بالإسلام
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين ﴾ يقول : لم يبق إلا ذرية نوح ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ يقول : يذكر بخير وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ وجعلنا ذريته هم الباقين ﴾ قال : حام وسام ويافث وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن سمرة أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم ] والحديثان هما من سماع الحسن عن سمرة وفي سماعه منه مقال معروف وقد قيل إنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة فقط وما عداه فبواسطة قال ابن عبد البر : وقد روي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله وأخرج البزار وابن أبي حاتم والخطيب في تالي التلخيص عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ ولد نوح ثلاثة : سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان ] وهو من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عنه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله :﴿ فأقبلوا إليه يزفون ﴾ قال : يخرجون وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله :﴿ قال إني ذاهب إلى ربي ﴾ قال : حين هاجر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ قال : العمل وأخرج الطبراني عنه أيضا قال : لما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق قال لأبيه : إذا ذبحتني فاعتزل لا اضطرب فينتضح عليك دمي فشده فلما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه ﴿ أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا ﴾ وأخرج أحمد عنه أيضا مرفوعا مثله مع زيادة وأخرجه عنه موقوفا وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضا في قوله :﴿ وإن من شيعته لإبراهيم ﴾ قال : من شيعة نوح على منهاجه وسننه ﴿ فلما بلغ معه السعي ﴾ قال شب حتى بلغ سعيه سعي أبيه في العمل ﴿ فلما أسلما ﴾ سلما ما أمر به ﴿ وتله ﴾ وضع وجهه إلى الأرض فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني فلا تجهز الأرض فلما أدخل يده ليذبحه فلم تحل المدية حتى نودي :﴿ أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا ﴾ فأمسك يده قوله :﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ بكبش عظيم متقبل وزعم ابن عباس أن الذبح إسماعيل وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ رؤيا الأنبياء وحي ] وأخرجه البخاري وغيره من قول عبيد بن عمير واستدل بهذه الآية وأخرج ابن جرير والحاكم من طريق عطاء ابن أبي رباح عن ابن عباس قال : المفدي إسماعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن ابن عباس قال : الذبيح إسماعيل وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال الذبيح إسماعيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن ماهك وأبي الطفيل عن ابن عباس قال الذبيح إسماعيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عمر في قوله :﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ قال : إسماعيل ذبح عنه إبراهيم الكبش وأخرج عبد بن حميد من طريق الفرزدق الشاعر قال : رأيت أبا هريرة يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقول : إن الذي أمر بذبحه إسماعيل وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ قال نبي الله داود : يا رب أسمع الناس يقولون : رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب فاجعلني رابعا قال : إن إبراهيم ألقي في النار فصبر من أجلي وإن إسحاق جاد لي بنفسه وإن يعقوب غاب عنه يوسف وتلك بلية لم تنلك ] وفي إسناده الحسن بن دينار البصري وهو متروك عن علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه وأخرج الدارقطني في الأفراد والديلمي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ الذبيح إسحاق ] وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ الذبيح إسحاق ] وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا مثله وأخرج ابن مردويه عن بهار وكانت له صحبة قال : إسحاق ذبيح الله وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود قال سئل النبي صلى الله عليه و سلم من أكرم الناس ؟ قال :[ يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ] وأخرج عبد الرزاق والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : الذبيح إسحاق وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : الذبيح إسحاق وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الذبيح إسحاق وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : صرعه للذبح وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله :﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ قال : كبش أعين أبيض أقرن قد ربط بسمرة في أصل ثبير وأخرج ابن أبي شيبة ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ قال : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا وأخرج عبد بن حميد عنه قال : فدي إسماعيل بكبشين أملحين أقرنين أعينين وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن رجلا قال : نذرت لأنحر نفسي فقال ابن عباس : لقد كان لكم في روسل الله أسوة حسنة ثم تلا ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾ فأمره بكبش فذبحه وأخرج الطبراني من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج ابن جرير عنه أيضا في قوله :﴿ وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ﴾ قال : إنما بشر به نبيا حين فداه الله من الذبح ولم تكن البشارة بالنبوة عند مولده
وبما سقناه من الاختلاف في الذبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل وما استدل به المختلفون في ذلك تعلم أنه لم يكن في المقام ما يوجب القطع أو يتعين رجحانه تعينا ظاهرا وقد رجح كل قول طائفة من المحققين المنصفين كابن جرير فإنه رجح أنه إسحاق ولكنه لم يستدل على ذلك إلا ببعض مما سقناه ها هنا وكابن كثير فإنه رجح أنه إسماعيل وجعل الأدلة على ذلك أقوى وأصح وليس الأمر كما ذكره فإنها إن لم تكن دون أدلة القائلين بأن الذبيح إسحاق لم تكن فوقها ولا أرجح منها ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك شيء وما روي عنه فهو إما موضوع أو ضعيف جدا ولم يبق إلا مجرد استنباطات من القرآن كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق وهي محتملة ولا تقوم حجة بمحتمل فالوقف هو الذي لا ينبغي مجاوزته وفي السلامة من الترجيح بلا مرجح ومن الاستدلال بما هو محتمل