لما كانت قريش وقبائل من العرب يزعمون أن الملائكة بنات الله أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم باستفتائهم على طريقة التقريع والتوبيخ فقال : ١٤٩ - ﴿ فاستفتهم ﴾ يا محمد : أي استخبرهم ﴿ ألربك البنات ولهم البنون ﴾ أي كيف يجعلون لله على تقدير صدق ما زعموه من الكذب أدنى الجنسين وأوضعهما وهو الإناث ولهم أعلاهما وأرفعهما وهم الذكور وهل هذا إلا حيف في القسمة لضعف عقولهم وسوء إدراكهم ومثله قوله :﴿ ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى ﴾
ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال : ١٥٠ - ﴿ أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ﴾ فأضرب عن الكلام الأول إلى ما هو أشد منه في التبكيت والتهكم بهم : أي كيف جعلوهم إناثا وهم لم يحضروا عند خلقنا لهم وهذا كقوله :﴿ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ﴾ فبين سبحانه أن مثل ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة ولم يشهدوا ولا دل دليل على قولهم من السمع ولا هو مما يدرك بالعقل حتى ينسبوا إدراكه إلى عقولهم
ثم أخبر سبحانه عن كذبهم فقال : ١٥١ - ﴿ ألا إنهم من إفكهم ليقولون ﴾
ثم أخبر سبحانه عن كذبهم فقال : ١٥٢ - ﴿ ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله وإنهم لكاذبون ﴾ فبين سبحانه أن قولهم هذا هو من الإفك والافتراء من دون دليل ولا شبهة دليل فإنه لم يلد ولم يولد قرأ الجمهور ﴿ ولد الله ﴾ فعلا ماضيا مسندا إلى الله قرئ بإضافة ولد إلى الله على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي يقولون الملائكة ولد الله والولد بمعنى مفعول يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث
ثم كرر سبحانه تقريعهم وتوبيخهم فقال : ١٥٣ - ﴿ أصطفى البنات على البنين ﴾ قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنها للاستفهام الإنكاري وقد حذف معها همزة الوصل استغناء به عنها وقرأ نافع في رواية عنه وأبو جعفر وشيبة والأعمش بهمزة وصل تثبت ابتداء وتسقط درجا ويكون الاستفهام منويا قاله الفراء وحذف حرفه للعلم به من المقام أو على أن اصطفى وما بعده بدل من الجملة المحكية بالقول وعلى تقدير عدم الاستفهام والبدل فقد حكى جماعة من المحققين منهم الفراء أن التوبيخ يكون باستفهام وبغير استفهام كما في قوله :﴿ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ﴾ وقيل هو على إضمار القول
١٥٤ - ﴿ ما لكم كيف تحكمون ﴾ جملتان استفهاميتان ليس لأحدهما تعلق بالأخرى من حيث الإعراب : استفهمهم أولا عما استقر لهم وثبت استفهام بإنكار وثانيا استفهام تعجب من هذا الحكم الذي حكموا به والمعنى : أي شيء ثبت لكم كيف تحكون لله بالبنات وهم القسم الذي تكرهونه ولكم بالبنين وهم القسم الذي تحبونه