ثم استنكروا أن يخص الله ورسوله بمزية النبوة دونهم فقالوا : ٨ - ﴿ أأنزل عليه الذكر من بيننا ﴾ والاستفهام للإنكار : أي كيف يكون ذلك ونحن الرؤساء والأشراف قال الزجاج : قالوا كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا ونحن أكبر سنا وأعظم شرفا منه وهذا مثل قولهم :﴿ لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾ فأنكروا أن يتفضل الله سبحانه على من يشاء من عباده بما شاء ولما ذكر استنكارهم لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه و سلم دونهم بين السبب الذي لأجله تركوا تصديق رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما جاء به فقال :﴿ بل هم في شك من ذكري ﴾ أي من القرآن أو الوحي لإعراضهم عن النظر الموجب لتصديقه وإهمالهم للأدلة الدالة على أنه حق منزل من عند الله ﴿ بل لما يذوقوا عذاب ﴾ أي بل السبب أنهم لم يذوقوا عذابي فاغتروا بطول المهلة ولو ذاقوا عذابي على ما هم عليه من الشرك والشك لصدقوا ما جئت به من القرآن ولم يشكوا فيه
٩ - ﴿ أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ﴾ أي مفاتيح نعم ربك وهي النبوة وما هو دونها من النعم حتى يعطوها من شاءوا فما لهم ولإنكار ما تفضر الله به على هذا النبي واختاره له واصطفاه لرسالته والمعنى : بل أعندهم لأن أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة والعزيز الغالب القاهر والوهاب : المعطي بغير حساب
١٠ - ﴿ أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما ﴾ أي بل ألهم ملك هذه الأشياء حتى يعطوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ويعترضوا على إعطاء الله سبحانه ما شاء لمن شاء وقوله :﴿ فليرتقوا في الأسباب ﴾ جواب شرط محذوف : أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء وإلى العرش حتى يحكموا بما يريدون من عطاء ومنع ويدبروا أمر العالم بما يشتهون أو فليصعدوا وليمنعوا الملائكة من نزولهم بالوحي على محمد صلى الله عليه و سلم والأسباب : أبواب السموات التي تنزل الملائكة منها قاله مجاهد وقتادة ومنه قول زهير :
( ولو رام أسبابا السماء بسلم )
قال الربيع بن أنس : الأسباب أدق من الشعر وأشد من الحديد ولكن لا ترى وقال السدي ﴿ في الأسباب ﴾ في الفضل والدين وقيل فليعملوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة وهو قول أبي عبيدة وقيل الأسباب الحبال : يعني إن وجدوا حبالا يصعدون فيها إلى السماء فعلوا والأسباب عند أهل اللغة كل شيء يتوصل به إلى المطلوب كائنا ما كان وفي هذا الكلام تهكم بهم وتعجيز لهم