١٨ - ﴿ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ﴾ أي يقدسن الله سبحانه وينزهنه عما لا يليق به وجملة يسبحن في محل نصب على الحال وفي هذا بيان ما أعطاه الله من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه قال مقاتل : كان داود إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه وكان يفقه تسبيح الجبال وقال محمد بن إسحاق : أوتي داود من حسن الصوت ما يكون له في الجبال دوي حسن فهذا معنى تسبيح الجبال والأول أولى وقيل معنى يسبحن يصلين و معه متعلق بسخرنا ومعنى بالعشي والإشراق قال الكلبي : غدوة وعشية يقال أشرقت الشمس : إذا أضاءت وذكل وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها قال الزجاج : شرقت الشمس : إذا طلعت وأشرقت : إذا أضاءت
١٩ - ﴿ والطير محشورة ﴾ معطوف على الجبال وانتصاب محشورة على الحال من الطير : أي وسخرنا الطير حال كونها محشورة : أي مجموعة إليه تسبح الله معه قيل كانت تجمعها إليه الملائكة وقيل كانت تجمعها الريح ﴿ كل له أواب ﴾ أي كل واحد من داود والجبال والطير رجاع إلى طاعة الله وأمره والضمير في له راجع إلى الله عز و جل وقيل الضمير لداود : أي لأجل تسبيح داود مسبح فوضع أواب موضع مسبح والأول أولى وقد قدمنا أن الأواب : الكثير الرجوع إلى الله سبحانه
٢٠ - ﴿ وشددنا ملكه ﴾ قويناه وثبتناه بالنصر في المواطن على أعدائه وإلقاء الرعب منه في قلوبهم وقيل بكثرة الجنود ﴿ وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ﴾ المراد بالحكمة النبوة والمعرفة بكل ما يحكم به وقال مقاتل : الفهم والعلم وقال مجاهد : العدل وقال أبو العالية : العلم بكتاب الله وقال شريح : السنة والمراد بالفصل الخطاب الفصل في القضاء وبه قال الحسن والكلبي ومقاتل وحكى الواحدي عن الأكثر أن فصل الخطاب الشهود والإيمان لأنها إنما تنقطع الخصومة بهذا وقيل هو الإيجاز بجعل المعنى الكثير في اللفظ القليل
٢١ - ﴿ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ﴾ لما مدحه الله سبحانه بما تقدم ذكره أردف ذلك بذكر هذه القصة الواقعة لما فيها من الأخبار العجيبة قال مقاتل : بعث الله إلى داود ملكين جبريل وميكائيل لينبهه على التوبة فأتياه وهو في محرابه قال النحاس : ولا خلاف بين أهل التفسير أن المراد بالخصم ها هنا الملكان والخصم مصدر يقع على الواحد والاثنين والجماعة ومعنى ﴿ تسوروا المحراب ﴾ أتوه من أعلى سوره ونزلوا إليه والسور : الحائط المرتفع وجاء بلفظ الجمع في تسوروا مع كونهم إثنين نظرا إلى ما يحتمله لفظ الخصم من الجمع ومنه قول الشاعر :

( وخصم غضاب قد نفضت لحاهم كنفض البراذين العراب المخاليا )
والمحراب : الغرفة لأنهم تسوروا عليه وهو فيها كذا قال يحيى بن سلام وقال أبو عبيدة : إنه صدر المجلس ومنه محراب المسجد وقيل إنهما كانا إنسيين ولم يكونا ملكين


الصفحة التالية
Icon