ثم أخبر سبحانه أنه قبل استغفاره وتوبته قال : ٢٥ - ﴿ فغفرنا له ذلك ﴾ أي ذلك الذنب الذي استغفر منه قال عطاء الخراساني وغيره : إن داود بقي ساجدا أربعين يوما حتى نبت الرعي حول وجهه وغمر رأسه قال ابن الأنباري : الوقف على قوله :﴿ فغفرنا له ذلك ﴾ تام ثم يبتدئ الكلام بقوله :﴿ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ﴾ الزلفى : القربة والكرامة بعد المغفرة لذنبه قال مجاهد : الزلفى الدنو من الله عز و جل يوم القيامة والمراد بحسن المآب : حسن المرجع وهو الجنة
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ما لها من فواق ﴾ قال : من رجعة ﴿ وقالوا ربنا عجل لنا قطنا ﴾ قال : سألوا الله أن يعجل لهم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الزبير بن عدي عنه ﴿ عجل لنا قطنا ﴾ قال : نصيبنا من الجنة وأخرج ابن جرير عنه أيضا في قوله :﴿ ذا الأيد ﴾ قال : القوة وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : الأواب المسبح وأخرج الديلمي عن مجاهد قال : سألت ابن عمر عن الأواب [ فقال سألت النبي صلى الله عليه و سلم عنه فقال : هو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله ] وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : الأواب الموقن وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء الخراساني عنه قال : لم يزل في نفسي من صلاة الضحى حتى قرأت هذه الآية ﴿ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ﴾ وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عنه أيضا قال : لقد أتى علي زمان وما أدري وجه هذه الآية ﴿ يسبحن بالعشي والإشراق ﴾ حتى رأيت الناس يصلون الضحى وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عنه قال : كنت أمر بهذه الآية ﴿ يسبحن بالعشي والإشراق ﴾ فما أدري ما هي ؟ حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليها يوم الفتح فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحى ثم قال : يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق وأخرج ابن جرير وابن مردويه من وجه آخر عنه نحوه والأحاديث في صلاة الضحى كثيرة جدا قد ذكرناها في شرحنا للمنتقى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : استعدى رجل من بني إسرائيل عند داود على رجل من عظمائهم فقال : إن هذا غصبني بقرا لي فسأل داود الرجل عن ذلك فجحده فسأل الآخر البينة فلم يكن له بينة فقال لهما داود : قوما حتى أنظر في أمركما فقاما من عنده فأتي داود في منامه فقيل له : اقتل الرجل الذي استعدى فقال : إن هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت فأتي الليلة الثانية في منامه فأمر أن يقتل الرجل فلم يفعل ثم أتي الليلة الثالثة فقيل له : اقتل الرجل أو تأتيك العقوبة من الله فأرسل داود إلى الرجل فقال : إن الله أمرني أن أقتلك قال : تقتلني بغير بينة ولا تثبت ؟ قال نعم والله لأنفذن أمر الله فيك فقال الرجل : لا تعجل لعلي حتى أخبرك إني والله ما أخذت بهذا الذنب ولكني كنت اغتلت والد هذا فقتلته فبذلك أخذت فأمر به داود فقتل فاشتدت هيبته في بني إسرائيل وشدد به ملكه فهو قول الله ﴿ وشددنا ملكه ﴾ وأخرج وابن جرير وابن أبي حاتم عنه ﴿ وآتيناه الحكمة ﴾ قال : أعطي الفهم وأخرج ابن أبي حاتم والديلمي عن أبي موسى الأشعري قال : أول من قال أما بعد داود عليه السلام ﴿ و ﴾ هو ﴿ فصل الخطاب ﴾ وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الشعبي أنه سمع زياد بن أبيه يقول : فصل الخطاب الذي أوتي داود أما بعد وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي حاتم عن ابن عباس : أن داود حدث نفسه إذا ابتلي أنه يعتصم فقيل له : إنك ستبتلى وستعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك فقيل له اليوم الذي تبتلى فيه فأخذ الزبور ودخل المحراب وأغلق باب المحراب وأخذ الزبور في حجره وأقعد منصفا : يعني خادما على الباب وقال : لا تأذن لأحد علي اليوم فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر مذهب كأحسن ما يكون الطير فيه من كل لون فجعل يدور بين يديه فدنا منه فأمكن أن يأخذه فتناوله بيده ليأخذه فاستوفز من خلفه فأطبق الزبور وقام إليه ليأخذه فطار فوقع على كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فأفضى فوقع على خص فأشرف عليه لينظر أين وقع ؟ فإذا هو بامرأة عند بركتها تغسل من الحيض فلما رأت ظله حركت رأسها فغطت جسدها أجمع بشعرها وكان زوجها غازيا في سبيل الله فكتب داود إلى
رأس الغزاة : انظر أوريا فاجعله في حملة التابوت وكان حملة التابوت إما أن يفتح عليهم وأما أن يقتلوا فقدمه في حملة التابوت فقتل فلما انقضت عدتها خطبها داود فاشترط عليه إن ولدت غلاما أن يكون الخليفة من بعده وأشهدت عليه خمسين من بني إسرائيل وكتب عليه بذلك كتابا فما شعر بفتنته أنه افتتن حتى ولدت سليمان وشب فتسور عليه الملكان المحراب وكان شأنهما ما قص الله في كتابه وخر داود ساجدا فغفر الله له وتاب عليه وأخرج الحاكم وصححه والبيقي في الشعب قال : ما أصاب داود بعد ما أصابه بعد القدر إلا من عجب عجب بنفسه وذلك أنه قال : يا رب ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك يصلي لك أو يسبح أو يكبر وذكر أشياء فكره الله ذلك فقال : يا داود إن ذلك لم يكن إلابي فلولا عوني ما قويت عليه وعزتي وجلالي لأكلنك إلى نفسك يوما قال : يا رب فأخبرني به فأخبر به فأصابته الفتنة ذلك اليوم وأخرج أصل القصة الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس مرفوعا بإسناد ضعيف وأخرجها ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس مطولة وأخرجها جماعة عن جماعة من التابعين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله :﴿ إن هذا أخي ﴾ قال : على ديني وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأحمد في الزهد وابن جرير والطبراني عنه قال : ما زاد داود على أن قال ﴿ أكفلنيها ﴾ وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أكفلنيها ﴾ قال ما زاد داود على أن قال : تحول لي عنها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وقليل ما هم ﴾ يقول : قليل الذي هم فيه وفي قوله :﴿ وظن داود أنما فتناه ﴾ قال : اختبرناه وأخرج أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي في سننه عنه أيضا أنه قال في السجود في ص ليست من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يسجد فيها وأخرج النسائي وابن مردويه بسند جيد عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد في ص وقال : سجدها داود ونسجدها شكرا وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد في ص وأخرج ابن مردويه عن أنس مثله مرفوعا وأخرج الدارمي وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي سعيد قال :[ قرأ رسول الله
صلى الله عليه و سلم وهو على المنبر ﴿ ص ﴾ فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تهيأ الناس للسجود فقال : إنما هي توبة ولكني رأيتكم تهيأتم للسجود فنزل فسجد ] وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه ذكر يوم القيامة فعظم شأنه وشدته قال : ويقول الرحمن عز و جل لداود عليه السلام : مر بين يدي فيقول داود : يا رب أن تدخضني خطيئتي فيقول : خذ بقدمي فيأخذ بقدمه عز و جل فيمر قال : فتلك الزلفى التي قال الله ﴿ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ﴾