وتكون جملة ٣٥ - ﴿ قال رب اغفر لي ﴾ بدلا من جملة أناب وتفسيرا له : أي اغفر لي ما صدر عني من الذنب الذي ابتليتني لأجله ثم لما قدم التوبة والاستغفار جعلها وسيلة إلى إجابة طلبته فقال :﴿ وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ﴾ قال أبو عبيدة : معنىلا ينبغي لأحد من بعدي : لا يكون لأحد من بعدي وقيل المعنى : لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة أو لا يصح لأحد من بعيد لعظمته وليس هذا من سؤال نبي الله سليمان عليه السلام للدنيا وملكها والشرف بين أهلها بل المراد بسؤاله الملك أن يتمكن به من إنفاذ أحكام الله سبحانه والأخذ على يد المتمردين من عباده من الجن والإنس ولو لم يكن من المقتضيات لهذا السؤال منه إلا ما رآه عند قعود الشيطان على كرسيه من الأحكام الشيطانية الجارية في عباد الله وجملة ﴿ إنك أنت الوهاب ﴾ تعليل لما قبلها مما طلبه من مغفرة الله له وهبة الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده : أي فإنك كثير الهبات عظيم الموهوبات
ثم ذكر سبحانه إجابته لدعوته وإعطاءه لمسألته فقال : ٣٦ - ﴿ فسخرنا له الريح ﴾ أي ذللناها له وجعلناها منقادة لأمره ثم بين كيفية التسخير لها بقوله :﴿ تجري بأمره رخاء ﴾ أي لينة الهبوب ليس بالعاصف مأخوذ من الرخاوة والمعنى أنها ريح لينة لا تزعزع ولا تعصف مع قوة هبوبها وسرعة جريها ولا ينافي هذا قوله في آية أخرى ﴿ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره ﴾ لأن المراد أنها في قوة العاصفة ولا تعصف وقيل إنها كانت تارة رخاء وتارة عاصفة على ما يريده سليمان ويشتهيه وهذا أولى في الجمع بين الآيتين ﴿ حيث أصاب ﴾ أي حيث أراد قال الزجاج : إجماع أهل اللغة والمفسرين أن معنى حيث أصاب : حيث أراد وحقيقة حيث قعد وقال الأصمعي وابن الأعرابي : العرب تقول : أصاب الصواب وأخطأ الجواب وقيل إن معنى أصاب بلغة حمير أراد وليس من لغة العرب وقيل هو بلسان هجر والأول أولى وهو مأخوذ من إصابة السهم للغرض
٣٧ - ﴿ والشياطين ﴾ معطوف على الريح : أي وسخرنا له الشياطين وقوله :﴿ كل بناء وغواص ﴾ بدل من الشياطين : أي كل بناء منهم وغواص منهم يبنون له ما يشاء من المباني ويغوصون في البحر فيستخرجون له الدر منه ومن هذا قول الشاعر :
( إلا سليمان إذ قال الجليل له | قم في البرية فاحددها عن الفند ) |
( وخبر الجن إني قد أذنت لهم | يبنون تذمر بالصفاح والعمد ) |