وقوله : ٤٣ - ﴿ ووهبنا له أهله ﴾ معطوف على مقدر كأنه قيل : فاغتسل وشرب فكشفنا بذلك ما به من ضر ووهبنا له أهله قيل أحياهم الله بعد أن أماتهم : وقيل جمعهم بعد تفرقهم وقيل غيرهم مثلهم ثم زاده مثلهم معهم وهو معنى قوله :﴿ ومثلهم معهم ﴾ فكانوا مثل ما كانوا من قبل ابتلائه وانتصاب قوله :﴿ رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ﴾ على أنه مفعول لأجله : أي وهبناهم له لأجل رحمتنا إياه وليتذكر بحاله أولو الألباب فيصبروا على الشدائد كما صبر وقد تقدم في سورة الأنبياء تفسير هذه الآية مستوفى فلا نعيده
٤٤ - ﴿ وخذ بيدك ضغثا ﴾ معطوف على اركض أو على وهبنا أو التقدير وقلنا له ﴿ خذ بيدك ضغثا ﴾ والضغث : عثكال النخل بشماريخه وقيل هو قبضة من حشيش مختلط رطبها بيابسها وقيل الحزمة الكبيرة من القضبان وأصل المادة تدل على جمع المختلطات قال الواحدي : الضغث ملء الكف من الشجر والحشيش والشماريخ ﴿ فاضرب به ولا تحنث ﴾ أي اضرب بذلك الضغث ولا تحنث في يمينك والحنث : الإثم ويطلق على فعل ما حلف على تركه وكان أيوب قد حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة
واختلف في سبب ذلك فقال سعيد بن المسيب أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه به من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها إن عوفي مائة جلدة وقيل باعت ذؤابتها برغيفين إذ لم تجد شيئا وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام فلهذا حلف ليضربنها وقيل جاءها إبليس في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب فقال أداويه على أنه إذا برئ قال أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت نعم فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها
وقد اخلتف العلماء هل هذا خاص بأيوب أو عام للناس كلهم ؟ وأن من حلف خرج من يمينه بمثل ذلك قال الشافعي : إذا حلف ليضربن فلانا مائة جلدة أو ضربا ولم يقل ضربا شديدا ولم ينو بقلبه فكيفيه مثل هذا الضرب المذكور في الآية حكاه ابن المنذر عنه وعن أبي ثور وأصحاب الرأي وقال عطاء : هو خاص بأيوب ورواه ابن القاسم عن مالك ثم أثنى الله سبحانه على أيوب فقال :﴿ إنا وجدناه صابرا ﴾ أي على البلاء الذي ابتليناه به فإنه ابتلي بالداء العظيم في جسده وذهاب ماله وأهله وولده فصبر ﴿ نعم العبد ﴾ أي أيوب ﴿ إنه أواب ﴾ أي رجاع إلى الله بالاستغفار والتوبة