ثم لما ذكر سبحانه كونه منزها عن الولد بكونه إلها واحداص قهارا ذكر ما يدل على ذلك من صفاته فقال : ٦ - ﴿ خلق السموات والأرض بالحق ﴾ أي لم يخلقهما باطلا لغير شيء ومن كان هذا الخلق العظيم خلقه استحال أن يكون له شريك أو صاحبة أو ولد ثم بين كيفية تصرفه في السموات والأرض فقال ﴿ يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ﴾ التكوير في اللغة طرح الشيء بعضه على بعض يقال كور المتاع : إذا ألقى بعضه على بعض ومنه كور العمام فمعنى تكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه ومعنى تكوير النهار على الليل : تغشيته إياه حتى تذهب ظلمته وهو معنى قوله تعالى :﴿ يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ﴾ هكذا قال قتادة وغيره وقال الضحاك : أي يلقى هذا على هذا وهذا على هذا وهو مقارب للقول الأول وقيل معنى الآية : أن ما نقص من الليل دخل في النهار وما نقص من النهار دخل في الليل وهو معنى قوله :﴿ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ﴾ وقيل المعنى : إن هذا يكر على هذا وهذا يكر على هذا كرورا متتابعا قال الراغب : تكوير الشيء إدارته وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة اهـ والإشارة بهذا التكوير المذكور في الآية إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما قال الرازي : إن النور والظلمة عسكران عظيمان وفي كل يوم يغلب هذا ذاك وذاك هذا ثم ذكر تسخيره لسلطان النهار وسلطان الليل وهما الشمس والقمر فقال :﴿ وسخر الشمس والقمر ﴾ أي جعلهما منقادين لأمره بالطلوع والغروب لمنافع العباد ثم بين كيفية هذا التسخير فقال :﴿ كل يجري لأجل مسمى ﴾ أي يجري في فلكه إلى أن تنصرم الدنيا وذلك يوم القيامة وقد تقدم الكلام على الأجل المسمى لجريهما مستوفى في سورة يس ﴿ ألا هو العزيز الغفار ﴾ ألا حرف تنبيه والمعنى : تنبهوا أيها العباد فالله هو الغالب الساتر لذنونب خلقه بالمغفرة ثم بين سبحانه نوعا آخر من قدرته وبديع صنعه فقال :﴿ خلقكم من نفس واحد ﴾ وهي نفس آدم ﴿ ثم جعل منها زوجها ﴾ جاء بثم للدلالة على ترتيب خلق حواء على خلق آدم وتراخيه عنه لأنها خلقت منه والعطف : إما على مقدر هو صفة لنفس قال الفراء والزجاج التقدير خلقكم من نفس خلقها واحدة ثم جعل منها زوجها ويجوز أن يكون العطف على معنى واحدة : أي من نفس انفردت ثم جعل إلخ والتعبير بالجعل دون الخلق مع العطف بثم للدلالة على أن خلق حواء من ضلع آدم أدخل في كونه آية باهرة دالة على كمال القدرة لأن خلق آدم هو على عادة الله المستمرة في خلقه وخلقها على الصفة المذكورة لم تجر به عادة لكونه لم يخلق سبحانه أنثى من ضلع رجل غيرها وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في سورة الأعراف ثم بين سبحانه نوعا آخر من قدرته الباهرة فقال :﴿ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ﴾ وهو معطوف على خلقكم وعبر بالإنزال لما يروى أنه خلقها في الجنة ثم أنزلها فيكون الإنزال حقيقة ويحتمل أن يكون مجازا لأنها لم تعش إلا بالنبات والنبات إنما يعي بالماء والماء منزل من السماء كانت الأنعام كأنها منزلة لأن سبب سببها منزل كما أطلق على السبب في قوله :
( إذا نزل السماء بأرض قوم | رعيناه وإن كانوا غضابا ) |
وقد أخرج ابن مردويه عن يزيد الرقاشي أن رجلا قال :[ يا رسول الله إنا نعطي أموالنا التماس الذكر فهل لنا في ذلك من أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا قال : يا رسول الله إنما نعطي التماس الأجر والذكر فهل لنا أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله لا يقبل إلا ما أخلص له ثم تلا هذه الآية ﴿ ألا لله الدين الخالص ﴾ ] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يكور الليل ﴾ قال : يحمل الليل وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خلقا من بعد خلق ﴾ قال : علقة ثم مضغة ثم عظاما ﴿ في ظلمات ثلاث ﴾ البطن والرحم والمشيمة