قوله : ٢٧ - ﴿ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ﴾ قد قدمنا تحقيق المثل وكيفية ضربه في غير موضع ومعنى ﴿ من كل مثل ﴾ ما يحتاجون إليه وليس المراد ما هو أعم من ذلك فهو هنا كما في قوله :﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾ أي من شيء يحتاجون إليه في أمر دينهم وقيل المعنى : ما ذكرنا من إهلاك الأمم السالفة مثل لهؤلاء ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ يتعظمون فيعتبرون
وانتصاب ٢٨ - ﴿ قرآنا عربيا ﴾ على الحال من هذا وهي حال مؤكدة وتسمى هذه حالا موطئة لأن الحال في الحقيقة هو عربيا وقرآنا توطئة له نحو جاءني زيد رجلا صالحا : كذا قال الأخفش ويجوز أن ينتصب على المدح قال الزجاج : عربيا منتصب على الحال وقرآنا توكيد ومعنى ﴿ غير ذي عوج ﴾ لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه قال الضحاك : أي غير مختلف قال النحاس أحسن ما قيل في معناه قول الضحاك وقيل غير متضاد وقيل غير ذي لبس وقيل غير ذي لحن وقيل غير ذي شك كما قال الشاعر :
( وقد أتاك يمين غير ذي عوج | من الإله وقول غير مكذوب ) |
ثم ذكر سبحانه مثلا من الأمثال القرآنية للتذكير والإيقاظ فقال : ٢٩ - ﴿ ضرب الله مثلا ﴾ أي تمثيل حالة عجيبة بأخرى مثلها ثم بين المثل فقال :﴿ رجلا فيه شركاء متشاكسون ﴾ قال الكسائي : نصب رجلا لأنه تفسير للمثل وقيل هو منصوب بنزع الخافض : أي ضرب الله مثلا برجل وقيل إن رجلا هو المفعول الأول ومثلا هو المفعول الثاني وأخر المفعول الأول ليتصل بما هو من تمامه وقد تقدم تحقيق هذا في سورة يس وجملة ﴿ فيه شركاء ﴾ في محل نصب صفة لرجل والتشاكس التخالف قال الفراء : أي مختلفون وقال المبرد : أي متعاسرون من شكس يشكس شكسا فهو شكس مثل عسر يعسر عسرا فهو عسر قال الجوهري : التشاكس الاختلاف قال : ويقال رجل شكس بالتسكين : أي صعب الخلق وهذا مثل من أشرك بالله وعبد آلة كثيرة ثم قال :﴿ ورجلا سلما لرجل ﴾ أي خالصا له وهذا مثل من يعبد الله وحده قرأ الجمهور ﴿ سلما ﴾ بفتح السين واللام وقرأ سعيد بن جبير وعكرمة وأبو العالية بكسر السين وسكون اللام وقرأ ابن عباس ومجاهد والجحدري وأبو عمرو وابن كثير ويعقوب ﴿ سلما ﴾ بالألف وكسر اللام اسم فاعل من سلم له فهو سالم واختار هذه القراءة أبو عبيد قال : لأن السالم الخالص ضد المشترك والسلم ضد الحرب ولا موضع للحرب ها هنا وأجيب عنه بأن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمل إلا على أولاهما فالسلم وإن كان ضد الحرب فله معنى آخر بمعنى سالم من سلم له كذ : إذا خلص له وأيضا يلزمه في سالم ما ألزمه به لأنه قال شيء سالم : أي لا عاهة به واختار أبو حاتم القراءة الأولى والحاصل أن قراءة الجمهور هي على الوصف بالمصدر للمبالغة أو على حذف مضاعف : أي ذا سلم ومثلها قراءة سعيد بن جبير ومن معه ثمجاء سبحانه بما يدل على التفاوت بين الرجلين فقال :﴿ هل يستويان مثلا ﴾ وهذا الاستفهام للإنكار والاستبعاد والمعنى : هل يستوي هذا الذي يخدم جماعة شركاء أخلاقهم مختلفة ونياتهم متباينة يستخدمه كل واحد منهم فيتعب وينصب مع كون كل واحد منهم غير راض بخدمته وهذا الذي يخدم واحدا لا ينازعه غيره إذا أطاعه رضي عنه وإذا عصاه عفا عنه فإن بين هذين من الاختلاف الظاهر الواضح ما لا قدر عاقل أن يتفوه باستوائهما لأن أحدهما في أعلى المنزل والآخر في أدناها وانتصاب مثلا على التمييز المحول عن الفاعل لأن الأصل هل يستوي مثلهما وأفرد التمييز ولم يثنه لأن الأصل في التمييز الإفراد لكونه مبينا للجنس وجملة ﴿ الحمد لله ﴾ تقرير لما قبلها من نفي الاستواء وللإيذان للموحدين بما في توحيدهم لله من النعمة العظيمة المستحقة لتخصيص الحمد به ثم أضرب سحانه عن نفي الاستواء المفهوم عن الاستفهام الإنكاري إلى بيان أكثر الناس لا يعلمون فقال :﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ وهم المشركون فإنهم لا يعلمون ذلك مع ظهوره ووضوحه قال الواحدي والبغوي : والمراد بالأكثر الكل والظاهر خلاف ما قالاه فإن المؤمنين بالله يعلمون ما في التوحيد من رفعة شأنه وعلو مكانه وإن الشرك لا يماثله بوجه من الوجوه ولا يساويه في وصف من الأوصاف ويعلمون أن الله سبحانه يستحق الحمد على هذه النعمة وأن الحمد مختص به