قوله : ٤٣ - ﴿ أم اتخذوا من دون الله شفعاء ﴾ أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة : أي بل اتخذوا من دون الله آلهة شفعاء تشفع لهم عند الله ﴿ قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ﴾ الهمزة للإنكار والتوبيخ والواو للعطف على محذوف مقدر : أي أيشفعون ولو كانوا إلخ وجواب لو محذوف تقديره تتخذونهم : أي وإن كانوا بهذه الصفة تتخذونهم ومعنى لا يملكون شيئا أنهم غير مالكين لشيء من الأشياء وتدخل الشفاعة في ذلك دخولا أوليا أو يعقلون شيئا من الأشياء لأنها جمادات لا عقل لها وجمعهم بالواو والنون لاعتقاد الكفار فيهم أنهم يعقلون
ثم أمره سبحانه بأن يخبرهم أن الشفاعة لله وحده فقال : ٤٤ - ﴿ قل لله الشفاعة جميعا ﴾ فليس لأحد منها شيء إلا أن يكون بإذنه لمن ارتضى كما في قوله :﴿ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ﴾ وقوله :﴿ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ﴾ وانتصاب جميعا على الحال وإنما أكد الشفاعة بما يؤكد به الاثنان فصاعدا لأنها مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة ثم وصفه بسعة الملك فقال :﴿ له ملك السموات والأرض ﴾ أي يملكهما ويملك ما فيهما ويتصرف في ذلك كيف يشاء ويفعل ما يريد ﴿ ثم إليه ترجعون ﴾ لا إلى غيره وذلك بعد البعث
٤٥ - ﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ انتصاب وحده على الحال عند يونس وعلى المصدر عند الخليل وسيبويه والاشمئزاز في اللغة النفور قال أبو عبيدة : اشمأزت نفرت وقال المبرد : انقبضت وبالأول قال قتادة وبالثاني قال مجاهد المعنى متقارب وقال المؤرج : أنكرت وقال أبو زيد : اشمأز الرجل ذعر من الفزع والمناسب للمقام تفسير اشمأزت بانقبضت وهو في الأصل الازورار وكان المشركون إذا قيل لهم لا إله إلا الله انقبضوا كما حكاه الله عنهم في قوله :﴿ وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ﴾ ثم ذكر سبحانه استبشارهم بذكر أصنامهم فقال :﴿ وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ﴾ أي يفرحون بذلك يوبتهجون به والعامل في إذا في قوله :﴿ وإذا ذكر الله ﴾ الفعل الذي بعدها وهو اشمأزت والعامل في إذا في قوله :﴿ وإذا ذكر الذين من دونه ﴾ الفعل العامل في إذا الفجائية والتقدير : فاجئوا الاستبشار وقت ذكر الذين من دونه
ولما لم يقبل المتمردون من الكفار ما جاءهم به صلى الله عليه و سلم من الدعاء إلى الخير وصمموا على كفرهم أمره الله سبحانه أن يرد الأمر فقال : ٤٦ - ﴿ قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ﴾ وقد تقدم تفسير فاطر السموات وتفسير عالم الغيب والشهادة وهما منصوبان على النداء ومعنى ﴿ تحكم بين عبادك ﴾ تجازي المحسن بإحسانه وتعاقب المسيء بإساءته فإنه بذلك يظهر من هو المحق ومن هو المبطل ويرتفع عنده خلاف المختلفين وتخاصم المتخاصمين