٥٤ - ﴿ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ﴾ أي ارجعوا إليه بالطاعة لما بشرهم سبحانه بأنه يغفر الذنوب جميعا أمرهم بالرجوع إليه بفعل الطاعات واجتناب المعاصي وليس في هذا ما يدل على تقييد الآية الأولى بالتوبة لا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام بل غاية ما فيها أنه بشرهم بتلك البشارة العظمى ثم دعاهم إلى الخير وخوفهم من الشر على أنه يمكن أن يقال : إن هذه الجملة مستأنفة خطابا للكفار الذين لم يسلموا بدليل قوله :﴿ وأسلموا له ﴾ جاء بها لتحذير الكفار وإنذارهم بعد ترغيب المسلمين بالآية الأولى وتبشيرهم وهذا وإن كان بعيدا ولكنه يمكن أن يقال به والمعنى على ما هو الظاهر : أن الله جمع لعباده بين التبشير العظيم والأمر بالإنابة إليه والإخلاص له والاستسلام لأمره والخضوع لحكمه وقوله :﴿ من قبل أن يأتيكم العذاب ﴾ أي عذاب الدنيا كما يفيده قوله :﴿ من قبل أن يأتيكم ﴾ فليس في ذلك ما يدل على ما زعمه الزاعمون وتمسك به القانطون المقنطون والحمد لله رب العالمين
٥٥ - ﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ يعني القرآن يقول : أحلوا حلاله وحرموا حرامه والقرآن كله حسن قال الحسن : التزموا طاعته واجتنبوا معاصيه وقال السدي : الأحسن ما أمر الله به في كتابه وقال ابن زيد : يعني المحكمات وكلوا علم المتشابه إلى عالمه وقيل الناسخ دون المنسوخ وقيل العفو دون الانتقام بما يحق فيه الانتقام وقيل أحسن ما أنزل إليكم من أخبار الأمم الماضية ﴿ من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ﴾ أي من قبل أن يفاجئكم العذاب وأنتم غافلون عنه لا تشعرون به وقيل أراد أنهم يموتون بغتة فيقعون في العذاب والأول أولى لأن الذي يأتيهم بغتة هو العذاب في الدنيا بالقتل والأسر والقهر والخوف والجدب لا عذاب الآخرة ولا الموت لأنه لم يسند الإتيان إليه


الصفحة التالية
Icon