ثم لما ذكر سبحانه ما نصبه من الأدلة على التوحيد أمر عباده بدعائه وإخلاص الدين له فقال : ١٤ - ﴿ فادعوا الله مخلصين له الدين ﴾ أي إذا كان الأمر كما ذكر من ذلك فادعوا الله وحده مخلصين له العبادة التي أمركم بها ﴿ ولو كره الكافرون ﴾ ذلك فلا تلتفتوا إلى كراهتهم ودعوهم يموتوا بغيظهم ويهلكوا بحسرتهم
١٥ - ﴿ رفيع الدرجات ﴾ وارتفاع رفيع الدرجات على أنه خبر آخر على المبتدأ المتقدم : أي هو الذي يريكم آياته وهو رفيع الدرجات وكذلك ﴿ ذو العرش ﴾ خبر ثالث ويجوز أن يكون رفيع الدرجات مبتدأ وخبره ذو العرش ويجوز أن يكونا خبرين لمبتدأ محذوف ورفيع صفة مشبهة والمعنى : رفيع الصفات أو رفيع درجات ملائكته : أي معارجهم أو رفيع درجات أنبيائه وأوليائه في الجنة وقال الكلبي وسعيد بن جبير : رفيع السموات السبع وعلى هذا الوجه يكون رفيع بمعنى رافع ومعنى ذو العرش : مالكه وخالقه والمتصرف فيه وذلك يقتضي علو شأنه وعظم سلطانه ومن كان كذلك فهو الذي يحق له العبادة ويجب له الإخلاص وجملة ﴿ يلقي الروح من أمره ﴾ في محل رفع على أنها خبر آخر للمبتدأ المتقدم أو للمقدر ومعنى ذلك أنه سبحانه يلقي الوحي ﴿ على من يشاء من عباده ﴾ وسمي الوحي روحا لأن الناس يحيون به من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح وقوله :﴿ من أمره ﴾ متعلق بيلقي ومن لابتداء الغاية ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من الروح ومثل هذه الآية قوله تعالى :﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾ وقيل الروح جبريل كما في قوله :﴿ نزل به الروح الأمين * على قلبك ﴾ وقوله :﴿ نزله روح القدس من ربك بالحق ﴾ وقوله ﴿ على من يشاء من عباده ﴾ هم الأنبياء ومعنى ﴿ من أمره ﴾ من قضائه ﴿ لينذر يوم التلاق ﴾ قرأ الجمهور لينذر مبنيا للفاعل ونصب اليوم والفاعل هو الله سبحانه أو الرسول أو من يشاء والمنذر به محذوف تقديره : لينذر العذاب يوم التلاق وقرأ أبي وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم على الفاعلية مجازا وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميفع لتنذر بالفوقية على أن الفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول أو ضمير يرجع إلى الروح لأنه يجوز تأنيثها وقرأ اليماني لينذر على البناء للمفعول ورفع يوم على النيابة ومعنى ﴿ يوم التلاق ﴾ يوم يلتقي أهل السموات والأرض في المحشر وبه قال قتادة وقال أبو العالية ومقاتل : يوم يلتقي العابدون والمعبودون وقيل الظالم والمظلوم وقيل الأولون والآخرون وقيل جزاء الأعمال والعاملون