٢٩ - ﴿ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض ﴾ ذكرهم ذلك الرجل المؤمن ما هم فيه من الملك ليشكروا الله ولا يتمادوا في كفرهم ومعنى ظاهرين : الظهور على الناس والغلبة لهم والاستعلاء عليهم والأرض أرض مصر وانتصاب ظاهرين على الحال ﴿ فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾ أي من يمنعنا من عذابه ويحول بيننا وبينه عند مجيئه وفي هذا تحذير منه لهم من نقمة الله بهم وإنزال عذابه عليهم فلما سمع فرعون ما قاله هذا الرجل من النصح الصحيح جاء بمراوغة يوهم بها قومه أنه لهم من النصيحة والرعاية بمكان مكين وأنه لا يسلك بهم إلا مسلكا يكون فيه جلب النفع لهم ودفع الضر عنهم ولهذا قال :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ﴾ قال ابن زيد : أي ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي وقال الضحاك ما أعلمكم إلا ما أعلم والرؤية هنا هي القلبية لا البصرية والمفعول الثاني هو إلا ما أرى ﴿ وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾ أي ما أهديكم بهذا الرأي إلا طريق الحق قرأ الجمهور الرشاد بتخفيف الشين وقرأ معاذ بن جبل بتشديدها على أنها صيغة مبالغة كضراب وقال النحاس : هي لحن ولا وجه لذلك
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وقال رجل مؤمن من آل فرعون ﴾ قال : لم يكون في آل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر موسى الذي قال :﴿ إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ﴾ قال ابن المنذر : أخبرت أن اسمه حزقيل وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق قال : اسمه حبيب وأخرج البخاري وغيره من طريق عروة قال : قيل لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرنا بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه و سلم قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي يفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه و سلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال ﴿ أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ﴾ وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة والبزار عن علي بن أبي طالب أنه قال : أيها الناس أخبروني من أشجع الناس ؟ قالوا أنت قال : أما أني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه ولكن أخبروني بأشجع الناس ؟ قالوا لا نعلم فمن ؟ قال أبو بكر رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخذته قريش فهذا يجنبه وهذا يتلتله وهم يقولون أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا قال : فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجيء هذا ويتلتل هذا وهو يقول : ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم رفع بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال : أشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر ؟ فسكت القوم فقال : ألا تجيبون ؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من مثل مؤمن من آل فرعون وذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه