ثم لما سمع فرعون هذا رجع إلى تكبره وتجبره معرضا عن الموعظة نافرا من قبولها وقال ﴿ يا هامان ابن لي صرحا ﴾ أي قصرا مشيدا كما تقدم بيان تفسيره ﴿ لعلي أبلغ الأسباب ﴾ أي الطرق قال قتادة والزهري والسدي والأخفش : هي الأبواب
وقوله : ٣٧ - ﴿ أسباب السموات ﴾ بيان للأسباب لأن الشيء إذا أبهم ثم فسر كان أوقع في النفوس وأنشد الأخفش عند تفسيره للآية بيت زهير :

( ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم )
وقيل أسباب السموات الأمور التي يستمسك بها ﴿ فأطلع إلى إله موسى ﴾ قرأ الجمهور بالرفع عطفا على أبلغ فهو على هذا داخل في حيز الترجي وقرأ الأعرج والسملي وعيسى بن عمر وحفص بالنصب على جواب الأمر في قوله :﴿ ابن لي ﴾ أو على جواب الترجي كما قال أبو عبيدة وغيره قال النحاس : ومعنى النصب خلاف معنى الرفع لأن معنى النصب : متى بلغت الأسباب اطلعت ومعنى الرفع : لعلي أبلغ الأسباب ولعلي أطلع بعد ذلك وفي هذا دليل على أن فرعون كان بمكان من الجهل عظيم وبمنزلة من فهم حقائق الأشياء سافلة جدا ﴿ وإني لأظنه كاذبا ﴾ أي وإني لأظن موسى كاذبا في ادعائه بأن له إلها أو فيما يدعيه من الرسالة ﴿ وكذلك زين لفرعون سوء عمله ﴾ أي ومثل ذلك التزيين زين الشيطان لفرعون سوء عمله من الشرك والتكذيب فتمادى في الغي واستمر على الطغيان ﴿ وصد عن السبيل ﴾ أي سبيل الرشاد قرأ الجمهور ﴿ وصد ﴾ بفتح الصاد والدال : أي صد فرعون الناس عن السبيل وقرأ الكوفيون ﴿ وصد ﴾ بضم الصاد مبنيا للمفعول واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ولعل وجه الاختيار لها منهما كونها مطابقة لما أجمعوا عليه في ﴿ زين ﴾ من البناء للمفعول وقرأ يحيى بن وثاب وعلقمة صد بكسر الصاد وقرأ ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة بفتح الصاد وضم الدال منونا على أنه مصدر معطوف على سوء عمله : أي زين له الشيطان سوء العمل والصد ﴿ وما كيد فرعون إلا في تباب ﴾ التباب : الخسار والهلاك ومنه ﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾


الصفحة التالية
Icon