كرر ذلك الرجل المؤمن دعاءهم إلى الله وصرح بإيمانه ولم يسلك المسالك المتقدمة من إيهامه لهم أنه منهم وأنه إنما يتصدى التذكير كراهة أن يصيبهم بعض ما توعدهم به موسى كما يقوله الرجل المحب لقومه من التحذير عن الوقوع فيما يخاف عليهم الوقوع فيه فقال : ٤١ - ﴿ ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ﴾ أي أخبروني عنكم كيف هذه الحال : أدعوكم إلى النجاة من النار ودخول الجنة بالإيمان بالله وإجابة رسله وتدعونني إلى النار بما تريدونه مني من الشرك قيل معنى ﴿ ما لي أدعوكم ﴾ ما لكم أدعوكم كما تقول : مالي أراك حزينا أي مالك
ثم فسر الدعوتين فقال : ٤٢ - ﴿ تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم ﴾ فقوله تدعونني بدل من تدعونني الأولى أو بيان لهم ﴿ ما ليس لي به علم ﴾ أي ما لا علم لي بكونه شريكا لله ﴿ وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ﴾ أي إلى العزيز في انتقامه بمن كفر الغفار لذنب من آمن به
٤٣ - ﴿ لا جرم ﴾ قد تقدم تفسير هذا في سورة هود وجرم فعل ماض بمعنى حق ولا الداخلة عليه لنفي ما ادعوه ورد ما زعموه وفاعل هذا الفعل هو قوله :﴿ أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ﴾ أي حق ووجب بطلان دعوته قال الزجاج : معناه ليس له استجابة دعوة تنفع وقيل ليس له دعوة توجب له الألوهية في الدنيا ولا في الآخرة وقال الكلبي : ليس له شفاعة ﴿ وأن مردنا إلى الله ﴾ أي مرجعنا ومصيرنا إليه بالموت أولا وبالبعث آخرا فيجازى كل أحد بما يستحقه من خير وشر ﴿ وأن المسرفين هم أصحاب النار ﴾ أي المستكثرين من معاصي الله قال قتادة وابن سيرين : يعني المشركين وقال مجاهد والشعبي : هم السفهاء السفاكون للدماء بغير حقها وقال عكرمة : الجبارون والمتكبرون وقيل هم الذين تعدوا حدود الله وأن في الموضعين عطف على أن في قوله :﴿ أنما تدعونني إليه ﴾ والمعنى : وحق أن مردنا إلى الله وحق أن المسرفين إلخ
٤٤ - ﴿ فستذكرون ما أقول لكم ﴾ إذا نزل لكم العذاب وتعلمون أني قد بالغت في نصحكم وتذكيركم وفي هذا الإبهام من التخويف والتهديد ما لا يخفى ﴿ وأفوض أمري إلى الله ﴾ أي أتوكل عليه وأسلم أمري إليه قيل إنه قال هذا لما أرادوا الإيقاع به قال مقاتل : هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه وقيل القائل هو موسى والأول أولى


الصفحة التالية
Icon