٨ - ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ﴾ أي غير مقطوع عنهم يقال مننت الحبل : إذا قطعته ومنه قول الأصبغ الأودي :

( إني لعمرك ما آبى بذي علق على الصديق ولا خيري بممنون )
وقيل الممنون المنقوص قاله قطرب وأنشد قول زهير :
( فضل الجواد على الخيل البطاقا يعطي بذلك ممنونا ولا مرقا )
قال الجوهري : المن القطع ويقال النقص ومنه قوله تعالى :﴿ لهم أجر غير ممنون ﴾ وقال لبيد :
( عنسا كواسب لا يمن طعامها )
وقال مجاهد غير ممنون : غير محسوب وقيل معنى الآية لا يمن عليهم به لأنه إنما يمن بالتفضل فأما الأجر فحق أداؤه وقال السدي : نزلت في المرضى والزمنى والهرمى إذا ضعفوا عن الطاعة كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه
ثم أمر الله سبحانه رسوله لله أن يوبخهم ويقرعهم فقال : ٩ - ﴿ قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ﴾ أي لتكفرون بمن شأنه هذا الشأن العظيم وقدرته هذه القدرة الباهرة قيل اليومان هما يوم الأحد ويوم الاثنين وقيل المراد مقدار يومين لأن اليوم الحقيقي إنما يتحقق بعد وجود الأرض والسماء قرأ الجمهور ﴿ أإنكم ﴾ بهمزتين الثانية بين بين وقرأ ابن كثير بهمزة وبعدها ياء خفيفة ﴿ وتجعلون له أندادا ﴾ أي أضدادا وشركاء والجملة معطوفة على تكفرون داخلة تحت الاستفهام والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى الموصول المتصف بما ذكر وهو مبتدأ وخبره ﴿ رب العالمين ﴾ ومن جملة العالمين ما تجعلونها أندادا لله فكيف تجعلون بعض مخلوقاته شركاء له في عبادته
١٠ - وقوله :﴿ وجعل فيها رواسي ﴾ معطوف على خلق : أي كيف تكفرون بالذي خلق الأرض وجعل فيها رواسي : أي جبالا ثوابت من فوقها وقيل جملة وجعل فيها رواسي مستأنفة غير معطوفة على خلق لوقوع الفصل بينهما بالأجنبي والأول أولى لأن الجملة الفاصلة هي مقررة لمضمون ما قبلها فكانت بمنزلة التأكيد ومعنى ﴿ من فوقها ﴾ أنها مرتفعة عليها لأنها من أجزاء الأرض وإنما خالفتها باعتبار الارتفاع فكانت من هذه الحيثية كالمغايرة لها ﴿ وبارك فيها ﴾ أي جعلها مباركة كثيرة الخير بما خلق فيها من المنافع للعباد قال السدي : أنبت فيها شجرها ﴿ وقدر فيها أقواتها ﴾ قال قتادة ومجاهد : خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها وقال الحسن وعكرمة والضحاك : قدر فيها أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع جعل في كل بلد ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلى بلد ومعنى ﴿ في أربعة أيام ﴾ أي في تتمة أربعة أيام باليومين المتقدمين قاله الزجاج وغيره قال ابن الأنباري : ومثاله قول القائل خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما : أي في تتمة خمسة عشر يوما فيكون المعنى أن حصول جميع ما تقدم من خلق الأرض وما بعدها في أربعة أيام وانتاب ﴿ سواء ﴾ وقرأ زيد بن علي وابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد بخفضه على أنه سفة لأيام وقرأ أبو جعفر برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف قال الحسن : المعنى في أربعة أيام مستوية تامة وقوله :﴿ للسائلين ﴾ متعلق بسواء : أي مستويات للسائلين أو بمحذوف كأنه قيل هذا الحصر للسائلين في كم خلقت الأرض وما فيها ؟ أو متعلق بقدر : أي قدر فيها أقواتها لأجل الطالبين المحتاجين إليها قال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير والمعنى : وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين في أربعة أيام واختار هذا ابن جرير


الصفحة التالية
Icon