شرع سبحانه في بيان بعض آياته البديعة الدالة على كمال قدرته وقوة تصرفه للاستدلال بها على توحيده فقال : ٣٧ - ﴿ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ﴾ ثم لما بين أن ذلك من آياته نهاهم عن عبادة الشمس والقمر وأمرهم بأن يسجدوا لله عز و جل فقال ﴿ لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ﴾ لأنهما مخلوقان من مخلوقاته فلا يصح أن يكونا شريكين له في ربوبيته ﴿ واسجدوا لله الذي خلقهن ﴾ أي خلق هذه الأربعة المذكورة لأن جمع ما لا يعقل حكمه حكم جمع الإناث أو الآيات أو الشمس والقمر لأن الاثنين جمع عند جماعة من الأئمة ﴿ إن كنتم إياه تعبدون ﴾ قيل كان ناس يسجدون للشمس والقمر كاصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله فنهوا عن ذلك فهذا وجه تخصيص ذكر السجود بلا خلاف وإنما اختلفوا في مواضع السجدة فقيل موضعه عند قوله :﴿ إن كنتم إياه تعبدون ﴾ لأنه متصل بالأمر وقيل عند قوله :﴿ وهم لا يسأمون ﴾ لأنه تمام الكلام
٣٨ - ﴿ فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون ﴾ أي إن استكبر هؤلاء عن الامتثال فالملائكة يديمون التسبيح لله سبحانه بالليل والنهار وهم لا يملون ولا يفترون
٣٩ - ﴿ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة ﴾ الخطاب هنا لكل من يصلح له أو لرسول الله صلى الله عليه و سلم والخاشعة : اليابسة الجدبة وقيل الغبراء التي لا تنبت قال الأزهري : إذا يبست الأرض ولم تمطر قيل قد خشعت ﴿ فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ﴾ أي ماء المطر ومعنى اهتزت تحركت بالنبات : يقال اهتز الإنسان : إذا تحرك ومنه قول الشاعر :

( تراه كنصل السيف يهتز للندى إذا لم تجد عند امرئ السوء مطعما )
ومعنى ربت انتفخت وعلت قبل أن تنبت : قاله مجاهد وغيره وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير وتقديره : ربت واهتزت وقيل الاهتزاز والربو قد يكونان قبل خروج النبات وقد يكونان بعده ومعنى الربو لغة الارتفاع كما يقال للموضع المرتفع ربوة ورابية وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في سورة الحج وقيل اهتزت استبشرت بالمطر وربت انتفخت بالنبات وقرأ أبو جعفر وخالد ﴿ وربت ﴾ ﴿ إن الذي أحياها لمحيي الموتى ﴾ بالبعث والنشور ﴿ إنه على كل شيء قدير ﴾ لا يعجزه شيء كائنا ما كان


الصفحة التالية
Icon