٤١ - ﴿ ولمن انتصر بعد ظلمه ﴾ مصدر مضاف إلى المفعول : أي بعد أن ظلمه الظالم له واللام هي لام الابتداء وقال ابن عطية : هي لام القسم والأول أولى ومن هي الشرطية وجوابه ﴿ فأولئك ما عليهم من سبيل ﴾ بمؤاخذة وعقوبة ويجوز أن تكون من هي الموصولة ودخلت الفاء في جوابها تشبيها للموصولة بالشرطية والأول أولى
ولما نفى سبحانه السبيل على من انتصر بعد ظلمه بين من عليه السبيل فقال : ٤٢ - ﴿ إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ﴾ أي يتعدون عليهم ابتداء كذا قال الأكثر وقال ابن جريج : أي يظلمونهم بالشرك المخالف لدينهم ﴿ ويبغون في الأرض بغير الحق ﴾ أي يعملون في النفوس والأموال بغير الحق كذا قال الأكثر وقال مقاتل : بغثهم عملهم بالمعاصي وقيل يتكبرون ويتجبرون وقال أبو مالك : هو ما يرجوه أهل مكة أن يكون بمكة غير الإسلام دينا والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الذين يظلمون الناس وهو مبتدأ وخبره ﴿ لهم عذاب أليم ﴾ أي لهم بهذا السبب عذاب شديد الألم
ثم رغب سبحانه في الصبر والعفو فقال : ٤٣ - ﴿ ولمن صبر وغفر ﴾ أي صبر على الأذى وغفر لمن ظلمه ولم ينتصر والكلام في هذه اللام ومن كالكلام في ﴿ ولمن انتصر ﴾ ﴿ إن ذلك ﴾ الصبر والمغفرة ﴿ لمن عزم الأمور ﴾ أي أن ذلك منه فحذف لظهوره كما في قولهم :
( السمن منوان بدرهم )
قال مقاتل : من الأمور التي أمر الله بها وقال الزجاج : الصابر يؤتى بصبره ثوابا فالرغبة في الثواب أتم عزما قال ابن زيد : إن هذا كله منسوخ بالجهاد وأنه خاص بالمشركين وقال قتادة : إنه عام وهو ظاهر النظم القرآني ﴿ ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ﴾ أي فما له من أحد يلي هدايته وينصره وظاهر الآية العموم وقيل هي خاصة بمن أعرض عن النبي صلى الله عليه و سلم ولم يعمل بما دعاه إليه من الإيمان بالله والعمل بما شرعه والأول أولى
وقد أخرج أحمد وابن راهويه وابن منيع وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم عن علي بن أبي طالب قال : ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله ﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ﴾ وسأفسرها لك يا علي : ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود بعد عفوه وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر وقرأ ﴿ وما أصابكم ﴾ الآية ] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الكفارات وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عمران بن حصين أنه دخل عليه بعض أصحابه وكان قد ابتلي في جسده فقال : إنا لنبتئس لك لما نرى فيك قال : فلا تبتئس لما ترى فإن ما ترى بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ثم تلا هذه الآية ﴿ وما أصابكم من مصيبة ﴾ إلى آخرها وأخرج أحمد عن معاوية بن أبي سفيان سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله عنه به سيئاته ] وأخرج ابن مردويه عن البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ ما عثرة قدم ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر ] وأخرج ابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله :﴿ فيظللن رواكد على ظهره ﴾ قال : يتحركن ولا يجرين في البحر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : رواكد قال : وقوفا ﴿ أو يوبقهن ﴾ قال : يهلكهن وأخرج النسائي وابن ماجه وابن مردويه عن عائشة قالت [ دخلت علي زينب وعندي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبلت علي فسبتني فردعها النبي صلى الله عليه و سلم فلم تنته فقال لي سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها ووجه رسول الله صلى الله عليه و سلم يتهلل سرورا ] وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ المستبان ما قالا من شيء فعلى البادئ حتى يعتدي المظلوم ] ثم قرأ ﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾ وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي ألا ليقم من كان له على الله أجر فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا ] وذلك قوله :﴿ فمن عفا وأصلح فأجره على الله ﴾ وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ ينادي مناد من كان له أجر على الله فليدخل الجنة مرتين فيقوم من عفا عن أخيه قال الله :﴿ فمن عفا وأصلح فأجره على الله ﴾ ]


الصفحة التالية
Icon