٥٢ - ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾ أي وكالوحي الذي أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك روحا من أمرنا المراد به القرآن وقيل النبوة قال مقاتل : يعني الوحي بأمرنا ومعناه القرآن لأنه يهتدي به ففيه حياة من موت الكفر ثم ذكر سبحانه صفة رسوله قبل أن يوحي إليه فقال :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب ﴾ أي أي شيء هو لأنه صلى الله عليه و سلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب وذلك أدخل في الإعجاز وأدل على صحة نبوته ومعنى ﴿ ولا الإيمان ﴾ أنه كان صلى الله عليه و سلم لا يعرف تفاصيل الشرائع ولا يهتدي إلى معالمها وخص الإيمان أنه رأسها وأساسها وقيل أراد بالإيمان هنا الصلاة قال بهذا جماعة من أهل العلم : منهم إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة واحتج بقوله تعالى :﴿ وما كان الله ليضيع إيمانكم ﴾ يعني الصلاة فسماها إيمانا وذهب جماعة إلى أن الله سبحانه لم يبعث نبيا إلا وقد كان مؤمنا به وقالوا معنى الآية : ما كنت تدري قبل الوحي كيف تقرأ القرآن ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان وقيل كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلا وفي المهد وقال الحسين بن الفضل : إنه على حذف مضاف : أي ولا أهل الإيمان وقيل المراد بالإيمان دين الإسلام وقيل الإيمان هنا عبارة عن الإقرار بكل ما كلف الله به العباد ﴿ ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء ﴾ أي ولكن جعلنا الروح الذي أوحيناه إليك ضياء ودليلا على التوحيد والإيمان نهدي به من نشاء هدايته ﴿ من عبادنا ﴾ ونرشده إلى الدين الحق ﴿ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ﴾ قال قتادة والسدي ومقاتل : وإنك لتدعو إلى الإسلام فهو الصراط المستقيم قرأ الجمهور ﴿ لتهدي ﴾ على البناء للفاعل وقرأ ابن حوشب على البناء للمفعول وقرأ ابن السميفع بضم التاء وكسر الدال من أهدى وفي قراءة أبي وإنك لتدعو
ثم بين الصراط المستقيم بقوله : ٥٣ - ﴿ صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ﴾ وفي هذه الإضافة للصراط إلى الاسم الشريف من التعظيم له والتفخيم لشأنه ما لا يخفى ومعنى ﴿ له ما في السموات وما في الأرض ﴾ أنه المالك لذلك والمتصرف فيه ﴿ ألا إلى الله تصير الأمور ﴾ أي تصير إليه يوم القيامة لا إلى غيره جميع أمور الخلائق وفيه وعيد بالبعث المستلزم للمجازاة
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ ينظرون من طرف خفي ﴾ قال : ذليل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن كعب قال : يسارقون النظر إلى النار وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ من بركة المرأة ابتكارها بالأنثى لأن الله قال :﴿ يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ﴾ ] وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ ويجعل من يشاء عقيما ﴾ قال : الذي لا يولد له وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ﴾ قال : إلا أن يبعث ملكا يوحي إليه من عنده أو يلهمه فيقذف في قلبه أو يكلمه من وراء حجاب وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله :﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾ قال : القرآن وأخرج أبو نعيم في الدلائل وابن عساكر عن علي قال :[ قيل لمحمد صلى الله عليه و سلم ؟ هل عبدت وثنا قط ؟ قال : لا قالوا : فهل شربت خمرا قط ؟ قال : لا وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر وما كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان وبذلك نزل القرآن ﴿ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾ ]


الصفحة التالية
Icon