ثم زاد في تقريعهم وتوبيخهم فقال : ١٧ - ﴿ وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ﴾ أي بما جعله للرحمن سبحانه من كونه جعل لنفسه البنات والمعنى : أنه إذا بشر أحدهم بأنها ولدت له بنت اغتم لذلك وظهر عليه أثره وهو معنى قوله :﴿ ظل وجهه مسودا ﴾ أي صار وجهه مسودا بسبب حدوث الأنثى له حيث لم يكن الحادث له ذكرا مكانها ﴿ وهو كظيم ﴾ أي شديد الحزن كثير الكرب مملوء منه قال قتادة : حزين وقال عكرمة : مكروب وقيل ساكت وجملة ﴿ وهو كظيم ﴾ في محل نصب على الحال
ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال ١٨ - ﴿ أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ﴾ معنى ينشأ يربى والنشوء التربية والحلية الزينة ومن في محل نصب بتقدير مقدر معطوف على جعلوا والمعنى : أو جعلوا له سبحانه من شأنه أن يربى في الزينة وهو عاجز عن أن يقوم بأمور نفسه وإذا خوصم لا يقدر على إقامة حجته ودفع ما يجادله به خصمه لنقصان عقله وضعف رأيه قال المبرد : تقدير الآية : أو يجعلون له من ينشأ في الحلية : أي ينبت في الزينة قرأ الجمهور ﴿ ينشأ ﴾ بفتح الياء وإسكان النون وقرأ ابن عباس والضحاك وابن وثاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين واختار القراءة الأولى أبو حاتم واختار الثانية أبو عبيد قال الهروي : الفعل على القراءة الأولى لازم وعلى الثانية متعد والمعنى : يربى ويكبر في الحلية قال قتادة : قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها وقال ابن زيد والضحاك : الذي ينشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة
١٩ - ﴿ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ﴾ الجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشيء كما تقول : جعلت زيدا أفضل الناس : أي قلت بذلك وحكمت له به قرأ الكوفيون ﴿ عباد ﴾ بالجمع وبها قرأ ابن عباس وقرأ الباقون ﴿ عند الرحمن ﴾ بنون ساكنة واختار القراءة الأولى أبو عبيد لأن الإسناد فيها أعلى ولأن الله إنما كذبهم في قوله : إنهم بنات الله فأخبرهم أنهم عباده ويؤيد هذا القراءة قوله :﴿ بل عباد مكرمون ﴾ واختار أبو حاتم القراءة الثانية قال : وتصديق هذه القراءة قوله :﴿ إن الذين عند ربك ﴾ ثم وبخهم وقرعهم فقال :﴿ أشهدوا خلقهم ﴾ أي أحضروا خلق الله إياهم فهو من الشهادة التي هي الحضور وفي هذا تهكم بهم وتجهيل لهم قرأ الجمهور ﴿ أشهدوا ﴾ على الاستفهام بدون واو وقرأ نافع ﴿ أشهدوا ﴾ وقرأ الجمهور ﴿ ستكتب شهادتهم ﴾ بضم التاء الفوقية وبناء الفعل للمفعول ورفع شهادتهم وقرأ السلمي وابن السميفع وهبيرة عن حفص بالنون وبناء الفعل للفاعل ونصب شهادتهم وقرأ أبو رجاء شهاداتهم بالجمع والمعنى : سنكتب هذه الشهادة التي شهدوا بها في ديوان أعمالهم لنجازيهم على ذلك ﴿ ويسألون ﴾ عنها يوم القيامة


الصفحة التالية
Icon