لما أعلم الله سبحانه نبيه بأن منتقم له من عدوه وذكر اتفاق الأنبياء على التوحيد أتبعه بذكر قصة موسى وفرعون وبيان ما نزل بفرعون وقومه من النقمة فقال : ٤٦ - ﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ﴾ وهي التسع تقدم بيانها ﴿ إلى فرعون وملئه ﴾ الملأ : الأشراف ﴿ فقال إني رسول رب العالمين ﴾ أرسلني إليكم
٤٧ - ﴿ فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ﴾ استهزاء وسخرية وجواب لما هو إذا الفجائية لأن التقدير : فاجئوا وقت ضحكهم
٤٨ - ﴿ وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ﴾ أي كل واحدة من آيات موسى أكبر مما قبلها وأعظم قدرا مع كون التي قبلها عظيمة في نفسها وقيل المعنى : إن الأولى تقتضي علما والثانية تقتضي علما فإذا ضمت الثانية إلى الأولى ازداد الوضوح ومعنى الأخوة بين الآيات : أنها متشاكلة متناسبة في دلالتها على صحة نبوة موسى كما يقال هذه صاحبة هذه : أي هما قرينتان في المعنى وجملة ﴿ إلا هي أكبر من أختها ﴾ في محل جر صفة لآية وقيل المعنى : أن كل واحدة من الآيات إذا انفردت ظن الظان أنها أكبر من سائر الآيات ومثل هذا قول القائل :

( من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري )
﴿ وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون ﴾ أي بسبب تكذيبهم بتلك الآيات والعذاب هو المذكور في قوله :﴿ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ﴾ الآية وبين سبحانه أن العلة في أخذه لهم بالعذاب هو رجاء رجوعهم
ولما عاينوا ما جاءهم به من الآيات البينات والدلالات الواضحات ظنوا أن ذلك من قبيل السحر ٤٩ - ﴿ وقالوا يا أيها الساحر ﴾ وكانوا يسمون العلماء سحرة ويوقرون السحرة ويعظمونهم ولم يكن السحر صفة ذم عندهم قال الزجاج : خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر ﴿ ادع لنا ربك بما عهد عندك ﴾ أي بما أخبرتنا من عهده إليك إنا إذا آمنا كشف عنا العذاب وقيل المراد بالعهد النبوة وقيل استجابة الدعوة على العموم ﴿ إننا لمهتدون ﴾ أي إذا كشف عنا العذاب الذي نزل بنا فنحن مهتدون فيما يستقبل من الزمان ومؤمنون بما جئت به
٥٠ - ﴿ فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ﴾ في الكلام حذف والتقدير : فدعا موسى ربه فكشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون في الكلام حذف والتقدير : فدعا موسى ربه فكشف عنهم العذاب فلما كشف عنهم العذاب فاجئوا وقت نكثهم للعهد الذي جعلوه على أنفسهم من الاهتداء والنكث : النقض
٥١ - ﴿ ونادى فرعون في قومه ﴾ قيل لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إلى موسى فجمعهم ونادى بصوته فيما بينهم أو أمر مناديا ينادي بقوله :﴿ يا قوم أليس لي ملك مصر ﴾ لا ينازعني فيه أحد ولا يخالفني مخالف ﴿ وهذه الأنهار تجري من تحتي ﴾ أي من تحت قصري والمراد أنها النيل وقال قتادة : المعنى تجري بين يدي وقال الحسن تجري بأمري : أي تجري تحت أمري وقال الضحاك : أراد بالأنهار القواد والرؤساء والجبابرة وأنهم يسيرون تحت لوائه وقيل أراد بالأنهار الأموال والأول أولى والواو في هذه عاطفة على ملك مصر وتجري في محل نصب على الحال أو هي واو الحال واسم الإشارة مبتدأ والأنهار صفة له وتجري خبره والجملة في محل نصب ﴿ أفلا تبصرون ﴾ ذلك وتستدلون به على قوة ملكي وعظيم قدري وضعف موسى عن مقاومتي


الصفحة التالية
Icon