ومن جملة بركتها ما ذكره الله سبحانه ها هنا بقوله : ٤ - ﴿ فيها يفرق كل أمر حكيم ﴾ ومعنى يفرق : يفصل ويبين من قولهم : فرقت الشيء أفرقه فرقا والأمر الحكيم : المحكم وذلك أن سبحانه يكتب فيها ما يكون في السنة من حياة وموت وبسط وقبض وخير وشر وغير ذلك كذا قال مجاهد وقتادة والحسن وغيرهم : وهذه الجملة إما صفة أخرى لليلة وما بينهما اعتراض أو مستأنفة لتقرير ما قبلها قرأ الجمهور ﴿ يفرق ﴾ بضم الياء وفتح الراء مخففا وقرأ الحسن والأعمش والأعرج بفتح الياء وضم الراء ونصب كل أمر ورفع حكيم على أنه الفاعل والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان لأن الله سبحانه أجملها هنا وبينها في سورة البقرة بقوله :﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ﴾ وبقوله في سورة القدر :﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾ فلم يبق بعد هذا البيان الواضح ما يوجب الخلاف ولا ما يقتضي الاشتباه
٥ - ﴿ أمرا من عندنا ﴾ قال الزجاج والفراء : انتصاب أمرا بيفرق : أي يفرق فرقا لأن أمرا بمعنى فرقا والمعنى : إنا نأمر ببيان ذلك ونسخه من اللوح المحفوظ فهو على هذا منتصب على المصدرية مثل قولك يضرب ضربا قال المبرد : أمرا في موضع المصدر والتقدير أنزلناه إنزالا وقال الأخفش : انتصابه على الحال : أي آمرين وقيل هو منصوب على الاختصاص : أي أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا وفيه تفخيم لشأن القرآن وتعظيم له وقد ذكر بعض أهل العلم في انتصاب أمرا إثني عشر وجها أظهرها ما ذكرناه وقرأ زيد بن علي أمر بالرفع : أي هو أمر ﴿ إنا كنا مرسلين ﴾ هذه الجملة إما بدل من قوله :﴿ إنا كنا منذرين ﴾ أو جواب ثالث للقسم أو مستأنفة قال الرازي : المعنى إنا فعلنا ذلك الإنذار لأجل إنا كنا مرسلين للأنبياء
٦ - ﴿ رحمة من ربك ﴾ انتصاب رحمة على العلة : أي أنزلناه للرحمة قاله الزجاج وقال المبرد : إنها منتصبة على أنها مفعول لمرسلين : أي إنا كنا مرسلين رحمة وقيل هي مصدر في موضع الحال : أي راحمين قاله الأخفش وقرأ الحسن رحمة بالرفع على تقدير هي رحمة ﴿ إنه هو السميع العليم ﴾ لمن دعاه ﴿ العليم ﴾ بكل شيء
ثم وصف سبحانه نفسه بما يدل على عظيم قدرته الباهرة فقال :﴿ رب السموات والأرض وما بينهما ﴾ قرأ الجمهور ﴿ رب ﴾ بالرفع عطفا على السميع العليم أو على أنه مبتدأ وخبره لا إله إلا هو أو على أنه خبر لمبتدإ محذوف : أي هو رب وقرأ الكوفيون ﴿ رب ﴾ بالجر على أنه بدل من ربك أو بيان له أو نعت ﴿ إن كنتم موقنين ﴾ بأنه رب السموات والأرض وما بينهما وقد أقروه بذلك كما حكاه الله عنهم في غير موضع
وجملة ٨ - ﴿ لا إله إلا هو ﴾ مستأنفة مقررة لما قبلها أو خبر رب السموات كما مر وكذلك جملة ﴿ يحيي ويميت ﴾ فإنها مستأنفة مقررة لما قبلها ﴿ ربكم ورب آبائكم الأولين ﴾ قرأ الجمهور بالرفع على الاستئناف بتقدير مبتدأ : أي هو ربكم أو على أنه بدل من رب السموات أو بيان أو نعت له وقرأ الكسائي في رواية الشيرازي عنه وابن محيصن وابن أبي إسحاق وأبو حيوة والحسن بالجر ووجه الجر ما ذكرناه في قراءة من قرأ بالجر في رب السموات


الصفحة التالية
Icon