والإشارة بقوله : ٥٠ - ﴿ إن هذا ﴾ إلى العذاب ﴿ ما كنتم به تمترون ﴾ أي تشكون فيه حين كنتم في الدنيا والجمع باعتبار جنس الأثيم
ثم ذكر سبحانه مستقر المتقين فقال ٥١ - ﴿ إن المتقين في مقام أمين ﴾ أي الذين اتقوا الكفر والمعاصي قرأ الجمهور ﴿ مقام ﴾ بفتح الميم وقرأ نافع وابن عامر بضمها فعلى القراءة الأولى هو موضع القيام وعلى القراءة الثانية هو موضع الإقامة قاله الكسائي وغيره وقال الجوهري : قد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة وقد يكون بمعنى موضع القيام
ثم وصف المقام بأنه أمين يأمن صاحبه من جميع المخاوف ٥٢ - ﴿ في جنات وعيون ﴾ بدل من مقام أمين أو بيان له أو خبر ثان
٥٣ - ﴿ يلبسون من سندس وإستبرق ﴾ خبر ثان أو ثالث أو حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور والسندس ما رق من الديباج والإستبرق ما غلظ منه وقد تقدم بيانه في سورة الكهف وانتصاب ﴿ متقابلين ﴾ على الحال من فاعل يلبسون : أي متقابلين في مجالسهم ينظر بعضهم إلى بعض
والكاف في قوله : ٥٤ - ﴿ كذلك ﴾ إما نعت مصدر محذوف : أي نفعل بالمتقين فعلا كذلك أو مرفوع على أنه خبر لمبتدإ محذوف : أي الأمر كذلك ﴿ وزوجناهم بحور عين ﴾ أي أكرمناهم بأن زوجناهم بحور عين والحور جمع حوراء : وهي البيضاء والعين جمع عيناء : وهي الواسعة العينين وقال مجاهد : إنما سميت الحوراء حوراء لأنه يحار الطرف في حسنها وقيل هو من حور العين : وهو شدة بياض العين في شدة سوادها كذا قال أبو عبيدة وقال الأصمعي : ما أدري ما الحور العين قال أبو عمرو : الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر قال : وليس في بني آدم حور وإنما قيل للنساء حور لأنهن شبهن بالظباء والبقر وقيل والمراد بقوله :﴿ زوجناهم ﴾ قرناهم وليس من عقد التزويج لأنه لا يقال زوجته بامرأة وقال أبو عبيدة : وجعلناهم أزواجا لهن كما يزوج البعل بالبعل : أي جعلناهم اثنين اثنين وكذا قال الأخفش
٥٥ - ﴿ يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ﴾ أي يأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه حال كونهم آمنين من التختم والأسقام والآلام قال قتادة : آمنين من الموت والوصب والشيطان وقيل من انقطاع ما هم فيه من النعيم
٥٦ - ﴿ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ﴾ أي لا يموتون فيها أبدا إلا الموتة التي ذاقوها في الدنيا والاستثناء منقطع : أي لكن الموتة التي قد ذاقوها في الدنيا كذا قال الزجاج والفراء وغيرهما ومثل هذه الآية قوله :﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ﴾ وقيل إن إلا بمعنى بعد كقولك : ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك : أي بعد رجل عندك وقيل هي بمعنى سوى : أي سوى الموتة الأولى وقال ابن قتيبة : إنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله وقدرته إلى أسباب من الجنة يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم من الجنة وتفتح لهم أبوابها فإذا ماتوا في الدنيا فكأنهم ماتوا في الجنة لاتصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها فيكون الاستثناء على هذا متصلا واختار ابن جرير أن إلا بمعنى بعد واختار كونها بمعنى سوى ابن عطية ﴿ ووقاهم عذاب الجحيم ﴾ قرأ الجمهور ﴿ وقاهم ﴾ بالتخفيف وقرأ أبو حيوة بالتشديد على المبالغة


الصفحة التالية
Icon