٩ - ﴿ انظر كيف ضربوا لك الأمثال ﴾ ليتوصلوا بها إلى تكذيبك والأمثال هي الأقوال النادرة والاقتراحات الغريبة وهي ما ذكروه هاهنا ﴿ فضلوا ﴾ عن الصواب فلا يجدون طريقا إليه ولا وصلوا إلى شيء منه بل جاءوا بهذه المقالات الزائفة التي لا تصدر عن أدنى العقلاء وأقلهم تمييزا ولهذا قال :﴿ فلا يستطيعون سبيلا ﴾ أي لا يجدون إلى القدح في نبوة هذا النبي طريقا من الطرق
١٠ - ﴿ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ﴾ أي تكاثر خير الذي إن شاء جعل لك في الدنيا معجلا خيرا من ذلك الذي اقترحوه ثم فسر الخير فقال :﴿ جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ فجنات بدل من خيرا ﴿ ويجعل لك قصورا ﴾ معطوف على موضع جعل وهو الجزم وبالجزم قرأ الجمهور وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر برفع ﴿ يجعل ﴾ على أنه مستأنف وقد تقرر في علم الإعراب أن الشرط إذا كان ماضيا جاز في جوابه الجزم والرفع فجاز أن يكون جعل هاهنا في محل جزم ورفع فيجوز فيما عطف عليه أن يجزم ويرفع وقرئ بالنصب وقرئ بإدغام لام لك في لام يجعل لاجتماع المثلين وقرئ بترك الإدغام لأن الكلمتين منفصلتان والقصر البيت من الحجارة لأن الساكن به مقصور عن أن يوصل إليه وقيل هو بيت الطين وبيوت الصوف والشعر ثم أضرب سبحانه عن توبيخهم بما حكاه عنهم من الكلام الذي لا يصدر عن العقلاء
١١ - ﴿ بل كذبوا بالساعة ﴾ أي بل أتوا بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة فلهذا لا ينتفعون بالدلائل ولا يتأملون فيها ثم ذكر سبحانه ما أعده لمن كذب بالساعة فقال :﴿ وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ﴾ أي نارا مشتعلة متسعرة والجملة في محل نصب على الحال : أي بل كذبوا بالساعة والحال أنا أعتدنا قال أبو مسلم : أعتدنا : أي جعلناه عتيدا ومعدا لهم
١٢ - ﴿ إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ﴾ هذه الجملة الشرطية في محل نصب صفة لسعيرا لأنه مؤنث بمعنى النار قيل معنى إذا رأتهم : إذا ظهرت لهم فكانت بمرأى الناظر في البعد وقيل المعنى : إذا رأتهم خزنتها وقيل إن الرؤية منها حقيقية وكذلك التغيظ والزفير ولا مانع من أن يجعلها الله سبحانه مدركة هذا الإدراك ومعنى ﴿ من مكان بعيد ﴾ أنها رأتهم وهي بعيدة عنهم قيل بينها وبينهم مسيرة خمسمائة عام ومعنى التغيظ : أن الصوت الذي يسمع من الجوف قال الزجاج : المراد سماع ما يدل على الغيظ وهو الصوت : أي سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ وقال قطرب : أراد عملوا لها تغيظا وسمعوا لها زفيرا كما قال الشاعر :
( متقلدا سيفا ورمحا )
أي وحاملا رمحا وقيل المعنى : سمعوا فيها تغيظا وزفيرا للمعذبين كما قال :﴿ لهم فيها زفير وشهيق ﴾ وفي اللام متقاربان تقول : افعل هذا في الله ولله