فقال : ١٥ - ﴿ قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون ﴾ والإشارة بقوله ذلك إلى السعير المتصفة بتلك الصفات العظيمة : أي أتلك السعير خير أم جنة الخلد وفي إضافة الجنة إلى الخلد إشعار بدوام نعيمها وعدم انقطاعه ومعنى ﴿ التي وعد المتقون ﴾ التي وعدها المتقون والمجيء بلفظ خير هنا مع أنه لا خير في النار أصلاص لأن العرب قد تقول ذلك ومنه ما حكاه سيبويه عنهم أنهم يقولون : السعادة أحب إليك أم الشقاوة ؟ وقيل : ليس هذا من باب التفضيل وإنما هو كقولك : عنده خير قال النحاس : وهذا قول حسن كما قال :

( أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء )
ثم قال سبحانه :﴿ كانت لهم جزاء ومصيرا ﴾ أي كانت تلك الجنة للمتقين جزاء على أعمالهم ومصيرا يصيرون إليه
١٦ - ﴿ لهم فيها ما يشاؤون ﴾ أي ما يشاءونه من النعيم وضروب الملاذ كما في قوله :﴿ ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ﴾ وانتصاب خالدين على الحال وقد تقدم تحقيق معنى الخلود ﴿ كان على ربك وعدا مسؤولا ﴾ أي كان ما يشاءونه وقيل كان الخلود وقيل كان الوعد المدلول عليه بقوله : وعد المتقون ومعنى الوعد المسؤول : الوعد المحقق بأن يسأل ويطلب كما في قوله :﴿ ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ﴾ وقيل إن الملائكة تسأل لهم الجنة كقوله :﴿ وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ﴾ وقيل المراد به الوعد الواجب وإن لم يسأل
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس [ أن عتبة بن ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البحتري والأسود بن عبد المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيه بن الحجاج ومنبه بن الحجاج اجتمعوا فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا منه فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك قال : فجاءهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر منك فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا وإن كنت تطلب به الشرف فنحن نسودك وإن كنت تريد به ملكا ملكناك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما بي مما تقولون ما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم قالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا عليك أو قالوا : فإذا لم تفعل هذا فسل لنفسك وسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما نراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أنا بفاعل ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بغثني بشيرا ونذيرا فأنزل الله في ذلك ﴿ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ﴾ ﴿ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ﴾ ] أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفون لفعلت وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن خيثمة قال : قيل للنبي صلى الله عليه و سلم : إن شئت أعطيناك من خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك ولا نعطها أحدا بعدك ولا ينقصك ذلك مما لك عند الله شيئا وإن شئت جمعتها لك في الآخرة فقال : اجمعوها لي في الآخرة فأنزل الله سبحانه :﴿ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ﴾ وأخرج نحوه عنه ابن مردويه من طريق أخرى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق خالد بن دريك عن رجل من الصحابة قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم :[ من يقل علي ما لم أقل أو ادعى إلى غير والديه أو انتمى إلى غير مواليه فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا قيل يا رسول الله وهل لها من عينين ؟ قال : نعم أما سمعتم الله يقول :﴿ إذا رأتهم من مكان بعيد ﴾ ] وأخرج آدم بن أبي إياس في تفسيره عن ابن عباس في قوله :﴿ إذا رأتهم من مكان بعيد ﴾ قال : من مسيرة مائة عام وذلك إذا أتي بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام يشد بكل زمام سبعون ألف ملك لو تركت لأتت على كل بر وفاجر ﴿ سمعوا لها تغيظا وزفيرا ﴾ تزفر زفرة لا تبقي قطرة من دمع إلا بدت ثم تزفر الثانية فتقطع القلوب من أماكنها وتبلغ القلوب الحناجر وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن قول الله :﴿ وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين ﴾ قال : والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ دعوا هنالك ثبورا ﴾ قال : ويلا ﴿ لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ﴾ يقول : لا تدعوا اليوم ويلا واحدا وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث قال السيوطي بسند صحيح عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إن أول من يكسى حلته من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده وهو ينادي يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم حتى يقف على الناس فيقول يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم فيقال لهم : لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ] وإسناد أحمد فذكره وفي علي بن زيد بن جدعان مقال معروف وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ كان على ربك وعدا مسؤولا ﴾ يقول : سلموا الذي وعدكم تنجزوه


الصفحة التالية
Icon