فقال :﴿ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ﴾ قال الزجاج : الجملة اواقعة بعد إلا صفة لموصوف محذوف والمعنى : وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا أكلين وماشين وإنما حذ الموصوف لأن في قوله من المرسلين دليلا عليه نظيره ﴿ وما منا إلا له مقام معلوم ﴾ أي وما منا أحد وقال الفراء لا محل لها من الإعراب وإنما هي صلة لموصول محذوف هو المفعول والتقدير : إلا من أنهم فالضمير في أنهم وما بعده راجع إلى المقدرة ومثله قوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ أي إلا من يردها وبه قرأ االكسائي قال الزجاج : هذا خطأ لأن من الموصولة لا يجوز حذفها وقال ابن الأنباري : إنها في محل نصب على الحال والتقدير : إلا وإنهم فالمحذوف عنده الواو قرأ الجمهور ﴿ إلا إنهم ﴾ بكسر إن لوجود اللام في خبرها كما تقرر في علم النحو وهو مجمع عليه عندهم قال النحاس : إلا أن علي بن سليمان الأخفش حكى لنا عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال : يجوز في إن هذه الفتح وإن كان بعدها اللام وأحسبه وهما وقرأ الجمهور ﴿ يمشون ﴾ بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين وقرأ علي و ابن عوف وابن مسعود بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشددة وهي بمعنى القراءة الأولى قال الشاعر :
( أمشي بأعطان المياه وأتقي | قلائص منها صعبة وركوب ) |
وقال كعب بن زهير :( منه تظل سباع الحي ضامزة | ولا تمشي بواديه الأراجيل ) |
﴿ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ﴾ هذا الخطاب عام للناس وقد جعل سبحانه بعض عبيده فتنة لبعض فالصحيح فتنة للمريض والغني فتنة للفقير وقيل المراد بالبعض الأول كفار الأمم وبالبعض الثاني المرسل ومعنى الفتنة الابتلاء والمحنة والأول لأولى فإن البعض من الناس ممتحن بالبعض مبتلى به فالمريض يقول لم لم أجعل كالصحيح ؟ وكذا كل صاحب آفة والصحيح مبتلى بالمريض فلا يضجر منه ولا يحقره والغني مبتلى بالفقير يواسيه والفقير مبتلى بالغني يحسده ونحو هذا مثله وقلي المراد بالآية أنه كان إذا أراد الشريف أن يسلم ورأى الوضيع قد أسلم قبله أنف وقال لا أسلم بعده فيكون له علي السابقة والفضل فيقيم على كفره فذلك افتتان بعضهم لبعض واختار هذا الفراء والزجاج ولا وجه لقصر الآية على هذا فإن هؤلاء إن كانوا سبب النزول فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ثم قال سبحانه بعد الإخبار بجعل البعض للبعض فتنة
﴿ أتصبرون ﴾ هذا الاستفهام للتقرير وفي الكلام حذف تقديره أم لا تصبرون : أي أتصبرون على ما ترون من هذه الحال الشديدة والابتلاء العظيم قيل موقع هذه الجملة الاستفهامية ها هنا موقع قوله :
﴿ أيكم أحسن عملا ﴾ في قوله :
﴿ ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾ ثم وعد الصابرين بقوله :
﴿ وكان ربك بصيرا ﴾ أي بكل من يصبر ومن لا يصبر فيجازي كلا منهما بما يستحقه وقيل معنى أتصبرون : اصبروا مثل قوله :
﴿ فهل أنتم منتهون ﴾ أي انتهوا