٥٧ - ﴿ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ﴾ هذه الجملة فيها بيان استغنائه سبحانه عن عباده وأنه لا يريد منهم منفعة كما تريده السادة من عبيدهم بل هو الغني المطلق الرازق المعطي وقيل المعنى : ما أريد منهم أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم ولا يطعموا أحدا من خلقي ولا يطعموا أنفسهم وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله فمن أطعم عيال الله فهو كمن أطعمه وهذا كما ورد في قوله صلى الله عليه و سلم :[ يقول الله عبدي استطعمتك فلم تطعمني ] أي لم تطعم عبادي ومن في قوله :﴿ من رزق ﴾ زائدة لتأكيد العموم
ثم بين سبحانه أنه هو الرزاق لا غيره فقال : ٥٨ - ﴿ إن الله هو الرزاق ﴾ لا رزاق سواه ولا معطي غيره فهو الذي يرزق مخلوقاته ويقوم بما يصلحهم فلا يشتغلوا بغير ما خلقوا له من العبادة ﴿ ذو القوة المتين ﴾ ارتفاع المتين على أنه وصف للرزاق أو لذو أو خبر مبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر قرأ الجمهور ﴿ الرزاق ﴾ وقرأ ابن محيصن الرازق وقرأ الجمهور ﴿ المتين ﴾ بالرفع وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بالجر صفة للقوة والتذكير لكون تأنيثها غير حقيقي قال الفراء : كان حقه المتينة فذكرها لأنه ذهب بها إلى الشيء المبرم المحكم الفتل يقال حبل متين : أي محكم الفتل ومعنى المتين : الشديد القوة هنا
٥٩ - ﴿ فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ﴾ أي ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فإن لهم ذنوبا : أي طويل الشر لا ينقضي وأصل الذنوب في اللغة الدلوا العظيمة ومن استعمال الذنوب في النصيب من الشيء قول الشاعر :

( لعمرك والمنايا طارقات لكل بني أب منها ذنوب )
وما في الآية مأخوذ من مقاسمه السقاة الماء بالدلو الكبير فهو تمثيل جعل الذنوب مكان الحظ والنصيب قاله ابن قتيبة ﴿ فلا يستعجلون ﴾ أي لا يطلبوا مني أن أعجل لهم العذاب كما في في قولهم :﴿ فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ﴾


الصفحة التالية
Icon