٤٦ - ﴿ بل الساعة موعدهم ﴾ أي موعد عذابهم الأخروي وليس هذا العذاب الكائن في الدنيا بالقتل والأسر والقهر هو تمام ما وعدوا به من العذاب وإنما هو مقدمة من مقدماته وطليعة من طلائعه ولهذا قال :﴿ والساعة أدهى وأمر ﴾ أي وعذاب الساعة أعظم في الضر وأفظع مأخوذ من الدهاء وهو النكر والفظاعة ومعنى أمر : أشد مرارة من عذاب الدنيا يقال دهاه أمر كذا : أي أصابه دهوا ودهيا
٤٧ - ﴿ إن المجرمين في ضلال وسعر ﴾ أي في ذهاب عن الحق وبعد عنه وقد تقدم في هذه السورة تفسير وسعر فلا نعيده
٤٨ - ﴿ يوم يسحبون في النار على وجوههم ﴾ والظرف منتصب بما قبله : أي كائنون في ضلال وسعر يوم يسحبون أو بقول مقدر بعده : أي يوم يسحبون يقال لهم :﴿ ذوقوا مس سقر ﴾ أي قاسوا حرها وشدة عذابها وسقر علم لجهنم وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بإدغام سين مس في سين سقر
٥٠ - ﴿ وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ﴾ أي إلا مرة واحدة أو كلمة واحدة كلمح بالبصر في سرعته واللمح : النظر على العجلة والسرعة وفي الصحاح لمحه وألمحه : إذا أبصره بنظر خفيف والاسم اللمحة قال الكلبي : وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر
٥١ - ﴿ ولقد أهلكنا أشياعكم ﴾ أي أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم وقيل أتباعكم وأعوانكم ﴿ فهل من مدكر ﴾ يتذكر ويتعظ بالمواعظ ويعلم أن ذلك حق فيخاف العقوبة وأن يحل به ما حل بالأمم السالفة
٥٢ - ﴿ وكل شيء فعلوه في الزبر ﴾ أي جميع ما فعلته الأمم من خير أو شر مكتوب في اللوح المحفوظ وقيل في كتب الحفظة
٥٣ - ﴿ وكل صغير وكبير مستطر ﴾ أي كل شيء من أعمال الخلق وأقوالهم وأفعالهم مسطور في اللوح المحفوظ صغيره وكبيره وجليله وحقيره يقال : سطر يسطر سطرا كتب وأسطر مثله
٥٤ - ﴿ إن المتقين في جنات ونهر ﴾ أي في بساتين مختلفة وجنان متنوعة وأنها متدفقة قرأ الجمهور ﴿ ونهر ﴾ بفتح الهاء على الإفراد وهو جنس يشمل أنهار الجنة وقرأ مجاهد والأعرج وأبو السماك بسكون الهاء وهما لغتان وقرأ أبو مجلز وأبو نهشل والأعرج وطلحة بن مصرف وقتادة نهر بضم النون والهاء على الجمع
٥٥ - ﴿ في مقعد صدق ﴾ أي في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة ﴿ عند مليك مقتدر ﴾ أي قادر على ما يشاء لا يعجزه شيء وعند هاهنا كناية عن الكرامة وشرف المنزلة وقرأ عثمان البتي في مقاعد صدق
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ أكفاركم خير من أولئكم ﴾ يقول : ليس كفاركم خير من قوم نوح وقوم لوط وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه في قوله :﴿ سيهزم الجمع ويولون الدبر ﴾ قال : كان ذلك يوم بدر قالوا :﴿ نحن جميع منتصر ﴾ فنزلت هذه الآية وفي البخاري وغيره عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال وهو في قبة له يوم بدر :[ أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا فأخذ أبو بكر بيده وقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك فخرج وهو يثب في الدرع ويقول :﴿ سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ﴾ ] وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن أبي هريرة قال :[ جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه و سلم يخاصمونه في القدر فنزلت ﴿ يوم يسحبون في النار على وجوههم ﴾ ] وأخرج مسلم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ كل شيء بقد حتى العجز والكيس ] وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ وكل صغير وكبير مستطر ﴾ قال : مسطور في الكتاب اهـ


الصفحة التالية
Icon