قوله : ٢٦ - ﴿ كل من عليها فان ﴾ أي كل من على الأرض من الحيوانات هلك وغلب العقلاء على غيرهم فعبر عن الجميع بلفظ من وقيل أراد من عليها من الجن والإنس
٢٧ - ﴿ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ﴾ الوجه عبارة عن ذاته سبحانه ووجوده وقد تقدم في سورة البقرة بيان معنى هذا وقيل : معنى ﴿ يبقى وجه ربك ﴾ تبقى حجته التي يتقرب بها إليه والجلال : العظمة والكبرياء واستحقاق صفات المدح يقال جل الشيء : أي عظم وأجللته : أي أعظمته وهو اسم من جل ومعنى ذو الإكرام : أنه يكرم عن كل شيء لا يليق به وقيل إنه ذو الإكرام لأوليائه والخطاب في قوله ربك للنبي صلى الله عليه و سلم أو لكل من يصلح له قرأ الجمهور ﴿ ذو الجلال ﴾ على أنه صفة لوجه وقرأ أبي وابن مسعود : ذي الجلال على أنه صفة لرب
٢٨ - ﴿ فبأي آلاء ربكما تكذبان ﴾ وجه النعمة في فناء الخلق أن الموت سبب النقلة إلى دار الجزاء والثواب وقال مقاتل : وجه النعمة في فناء الخلق التسوية بينهم في الموت ومع الموت تستوي الأقدام
٢٩ - ﴿ يسأله من في السموات والأرض ﴾ أي يسألونه جميعا لأنهم محتاجون إليه لا يستغني عنه أحد منهم قال أبو صالح : يسأله أهل السموات المغفرة ولا يسألونه الرزق وأهل الأرض يسألونه الأمرين جميعا وقال مقاتل : يسأله أهل الأرض الرزق والمغفرة وتسأل لهم الملائكة أيضا الرزق والمغفرة وكذا قال ابن جريح وقيل يسألونه الرحمة قال قتادة : لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض والحاصل أنه يسأله كل مخلوق من مخلوقاته بلسان المقال أو لسان الحال ما يطلبونه من خيري الدارين أو من خيري إحداهما ﴿ كل يوم هو في شأن ﴾ انتصاب كل بالاستقرار الذي تضمنه الخبر والتقدير : استقر سبحانه في شأن كل وقت من الأوقات واليوم عبارة عن الوقت والشأن هو الأمر ومن جملة شؤونه سبحانه إعطاء أهل السموات والأرض ما يطلبونه منه على اختلاف حاجاتهم وتباين أغراضهم قال المفسرون : من شأنه أنه يحيي ويميت ويرزق ويفقر ويعز ويذل ويمرض ويشفي ويعطي ويمنع ويغفر ويعاقب إلى غير ذلك مما لا يحصى وقيل المراد باليوم المذكور هو يوم الدنيا ويوم الآخرة قال ابن بحر : الدهر كله يومان : أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة وقيل المراد كل يوم من أيام الدنيا
٣٠ - ﴿ فبأي آلاء ربكما تكذبان ﴾ فإن اختلاف شؤونه سبحانه في تدبير عباده نعمة لا يمكن جحدها ولا يتيسر لمكذب تكذيبها
٣١ - ﴿ سنفرغ لكم أيها الثقلان ﴾ هذا وعيد شديد من الله سبحانه للجن والإنس قال الزجاج والكسائي وابن الأعرابي وأبو علي الفارسي : إن الفراغ هاهنا ليس هو الفراغ من شغل ولكن تأويله القصد : أي سنقصد لحسابكم قال الواحدي حاكيا عن المفسرين : إن هذا تهديد منه سبحانه لعباده ومن هذا قول القائل لمن يريد تهديده : إذن أتفرغ لك أي أقصد قصدك وفرغ يجيء بمعنى قصد وأنشد ابن الأنباري قول الشاعر :

( الآن وقد فرغت إلى نمير فهذا حين كنت له عذابا )
يريد وقد قصدت وأنشد النحاس قول الشاعر :
( فرغت إلى العبد المقيد في الحجل )
أي قصدت وقيل : إن الله سبحانه وعد على التقوى وأوعد على المعصية ثم قال : سنفرغ لكم مما وعدناكم ونوصل كلا إلى ما وعدناه وبه قال الحسن ومقاتل وابن زيد ويكون الكلام على طريق التمثيل قرأ الجمهور ﴿ سنفرغ ﴾ بالنون وضم الراء وقرأ حمزة والكسائي بالتحتية مفتوحة مع ضم الراء : أي سيفرغ الله وقرأ الأعرج بالنون مع فتح الراء قال الكسائي : هي لغة تميم وقرأ عيسى الثقفي بكسر النونو وفتح الراء وقرأ الأعمش وإبراهيم بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول وسمي الجن والإنس ثقلين لعظم شأنهما بالنسبة إلى غيرهما من حيوانات الأرض وقيل سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا كما في قوله :﴿ وأخرجت الأرض أثقالها ﴾ وقال جعفر الصادق : سميا ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب وجمع في قوله لكم ثم قال أية الثقلان لأنهما فريقان وكل فريق جمع قرأ الجمهور ﴿ أيها الثقلان ﴾ بفتح الهاء وقرأ أهل الشام بضمها


الصفحة التالية
Icon