ثم أضربوا عن قولهم هذا وانتقلوا فقالوا : ٦٧ - ﴿ بل نحن محرومون ﴾ أي حرمنا رزقنا بهلاك زرعنا والمحروم الممنوع من الرزق الذي لا حظ له فيه وهو المحارف
٦٨ - ﴿ أفرأيتم الماء الذي تشربون ﴾ فتسكنون به ما يلحقكم من العطش وتدفعون به ما ينزل بكم من الظمأ واقتصر سبحانه على ذكر الشرب مع كثرة فوائد الماء ومنافعه لأنه أعظم فوائده وأجل منافعه
٦٩ - ﴿ أأنتم أنزلتموه من المزن ﴾ أي السحاب قال في الصحاح : قال أبو زيد : المزنة السحابة البيضاء والجمع مزن والمزنة المطر قال الشاعر :

( ألم تر أن الله أنزل مزنة وعفر الظبا في الكنائس تقمع )
ومما يدل على أنه السحاب قول الشاعر :
( نحن كماء المزن ما في نصابنا كهام ولا فينا يعد بخيل )
وقول الآخر :
( فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها )
﴿ أم نحن المنزلون ﴾ له بقدرتنا دون غيرنا فإذا عرفتم ذلك فكيف لا تقرون بالتوحيد وتصدقون بالبعث
ثم بين لهم سبحانه لهم سبحانه أنه لو يشاء لسلبهم هذه النعمة فقال : ٧٠ - ﴿ لو نشاء جعلناه أجاجا ﴾ الأجاج الماء الشديد الملوحة الذي لا يمكن شربه وقال الحسن : هو الماء المر الذي لا ينتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما ﴿ فلولا تشكرون ﴾ أي فهلا تشكرون نعمة الله الذي خلق لكم ماء عذبا تشربون منه وتنتفعون به
٧١ - ﴿ أفرأيتم النار التي تورون ﴾ أي أخبروني عنها ومعنى تورون : تستخرجونها بالقدح من الشجر الرطب يقال أوريت النار إذا قدحتها
٧٢ - ﴿ أأنتم أنشأتم شجرتها ﴾ التي يكون منها الزنود وهي المرخ والعفار تقول العرب : في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار ﴿ أم نحن المنشئون ﴾ لها بقدرتنا دونكم ومعنى الإنشاء الخلق وعبر عنه بالغنشاء للدلالة على ما في ذلك من بديع الصنعة وعجيب القدرة
٧٣ - ﴿ نحن جعلناها تذكرة ﴾ أي جعلنا هذه النار التي في الدنيا تذكرة لنار جهنم الكبرى قال مجاهد وقتادة : تبصرة للناس في الظلام وقال عطاء : موعظة ليتعظ بها المؤمن ﴿ ومتاعا للمقوين ﴾ أي منفعة للذين ينزلون بالقواء وهي الأرض القفر كالمسافرين وأهل البوادي النازلين في المقفرة يقال أرض قواء بالمد والصر : أي مقفرة ومنه قول النابغة :
( يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد )
وقال عنترة :
( حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقر بعد أم الهيثم )
وقول الآخر :
( ألم تسأل الربع القواء فينطق وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق )
ويقال أقوى إذا سافر : أي نزل القوى وقال مجاهد المقوين المستمتعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والاستضاءة وتذكر نار جهنم وقال ابن زيد : للجائعين في إصلاح طعامهم يقال : أقويت منذ كذا وكذا : أي ما أكلت شيئا وبات فلان القوي : أي بات جائعا ومنه قول الشاعر :
( وإني لأختار القوي طاوي الحشا محافظة من أن يقال لئيم )
وقال قطرب :[ القوى ] من الأضداد يكون بمعنى الفقر ويكون بمعنى الغنى يقال أقوى الرجل إذا لم يكن معه زاد وأقوى إذا قويت دوابه وكثر ماله وحكى الثعلبي عن أكثر المفسرين القول الأول وهو الظاهر


الصفحة التالية
Icon