٩٠ - ﴿ وأما إن كان ﴾ ذلك المتوفى ﴿ من أصحاب اليمين ﴾ وقد تقدم ذكر وتفصيل أحوالهم وما أعده الله لهم من الجزاء
٩١ - ﴿ فسلام لك من أصحاب اليمين ﴾ أي لست ترى فيهم إلا ما تحب من السلامة فلا تهتم بهم فإنه يسلمون من عذاب الله وقيل المعنى : سلام لك منهم : أي أنت سالم من الاغتمام بهم وقيل المعنى : إنهم يدعون لك ويسلمون عليك وقيل إنه صلى الله عليه و سلم يحيي بالسلام إكراما وقيل هو إخبار من الله سبحانه بتسليم بعضهم على بعض وقيل المعنى : سلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين
٩٢ - ﴿ وأما إن كان من المكذبين الضالين ﴾ أي المكذبين بالبعث الضالين عن الهدى وهم أصحاب الشمال المتقدم ذكرهم وتفصيل أحوالهم
٩٣ - ﴿ فنزل من حميم ﴾ أي فله نزل يعد لنزوله من حميم وهو الماء الذي قد تناهت حرارته وذلك بعد أن يأكل من الزقوم كما تقدم بيانه
٩٤ - ﴿ وتصلية جحيم ﴾ يقال أصلاه النار وصلاه : أي إذا جعله في النار وهو من إضافة المصدر إلى المفعول أو إلى المكان قال المبرد : وجواب الشرط في هذه الثلاثة المواضع محذوف والتقدير : مهما يكن من شيء فروح الخ وقال الأخفش : إن الفاء في المواضع الثلاثة هي جواب أما وجواب حرف الشرط قرأ الجمهور ﴿ وتصلية ﴾ بالرفع عطفا علي فنزل وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بالجر عطفا على حميم : أي فنزل من حميح ومن تصلية جحيم
٩٥ - ﴿ إن هذا لهو حق اليقين ﴾ الإشارة إلى ما ذكر في هذه السورة أو إلى المذكور قريبا من أحوال المتفرقين لهو حق اليقين : أي محض اليقين وخالصه وإضافة حق إلى اليقين من باب إضافة الشيء إلى نفسه قال المبرد : هو كقولك عن اليقين ومحض اليقين هذا عند الكوفيين وجوزوا ذلك لاختلاف اللفظ وأما البصريون فيجعلون المضاف إليه محذوفا والتقدير : حق الأمر اليقين أو الخبر اليقين
والفاء في ٩٦ - ﴿ فسبح باسم ربك العظيم ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها : أي نزهه عما لا يليق بشأنه والباء متعلقة بمحذوف : أي فسبح ملتبسا باسم ربك للتبرك به وقيل المعنى : فصل بذكر ربك وقيل الباء زائدة والاسم بمعنى الذات وقيل هي للتعدية لأن سبح يتعدى بنفسه تارة ويتعدى بالحرف أخرى والأول أولى
وقد أخرج النسائي وابن جرير ومحمد بن نصر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين وفي لفظ : ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوما ثم قرأ ﴿ فلا أقسم بمواقع النجوم ﴾ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه ﴿ فلا أقسم بمواقع النجوم ﴾ قال القرآن ﴿ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ﴾ قال : القرآن وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في الآية قال : نجوم القرآن حين ينزل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في المعرفة من طرق عن ابن عباس أيضا ﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾ قال : الكتاب المنزل في السماء لا يمسه إلا الملائكة وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أنس ﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾ قال : الملائكة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن علقمة قال : أتينا سلمان الفارسي فخرج علينا من كنيف فقلنا له : لو توضأت يا أيا عبد الله ثم قرأت علينا سورة كذا وكذا قال : إنما قال الله ﴿ في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون ﴾ وهو الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة ثم قرأ علينا من القرآن ما شئنا وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود وابن المنذر عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه قال في كتاب النبي صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم : لا تمس القرآن إلا على طهر وأخرجه مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر وأخرجه أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال : قرأ في صحيفة عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ ولا يمس القرآن إلا طاهر ] وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم وعبد الله بن عمرو وعثمان بن أبي العاص وفي أسانيدها نظر وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان لا يمس المصحف إلا متوضئا وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن زيد قال : كنا مع سلمان فانطلق إلى حاجة فتوارى عنا ثم خرج إلينا فقلنا : لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن فقال : سلوني فإني لن أمسه إنما يمسه المطهرون ثم تلا ﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾ وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا يمس القرآن إلا طاهر ] وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل :[ أن النبي صلى الله عليه و سلم لما بعثه إلى اليمن كتب له في عهده : أن لا يمس القرآن إلا طاهر ] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أنتم مدهنون ﴾ قال : مكذبون وأخرج مسلم وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال [ مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا : هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا فنزلت هذه الآية ﴿ فلا أقسم بمواقع النجوم ﴾ حتى بلغ ﴿ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ﴾ ] وأصل الحديث بدون ذكر أنه سبب نزول الآية ثابت في الصحيحين من حديث ومعنى هذه القرىءة الرحمة لأنها كالحياة للمرحوم والريحان : الرزق في الجنة قاله مجاهد زيد بن خالد الجهني ومن حديث أبي سعيد الخدري وفي الباب أحاديث وأخرج أحمد وابن منيع وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن علي عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ﴾ قال : شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وبنجم كذا وكذا وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عائشة قالت : ما فسر رسول الله صلى الله عليه و سلم من القرآن إلا آيات يسيرة قوله :﴿ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ﴾ قال : شكركم وأخرج ابن مردويه عن علي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ ﴿ وتجعلون رزقكم ﴾ ] وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وتجعلون شكركم قال : يعني الأنواء وما مطر قوم إلا أصبح كافرا كانوا يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون وأخرج ابن مردويه عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي أنه قرأ وتجعلون شكركم وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأها كذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ غير مدينين ﴾ قال : غير محاسبين وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن خيثم ﴿ فأما إن كان من المقربين ﴾ الآية قال : هذا له عند الموت ﴿ وجنة نعيم ﴾ تخبأ له الجنة إلى يوم يبعث ﴿ وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم ﴾ قال : هذا عند الموت ﴿ وتصلية جحيم ﴾ قال : تخبأ له الجحيم إلى يوم البعث وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فروح ﴾ قال : رائحة ﴿ وريحان ﴾ قال : استراحة وأخرج ابن جرير عنه قال : يعني بالريحان المستريح من الدنيا ﴿ وجنة نعيم ﴾ يقول : مغفرة ورحمة وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال : الريحان الرزق وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا في قوله :﴿ فسلام لك من أصحاب اليمين ﴾ قال : تأتيه الملائكة بالسلام من قبل الله تسلم عليه وتخبره أنه من أصحاب اليمين وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ﴿ إن هذا لهو حق اليقين ﴾ قال : ما قصصنا عليك في هذه السورة وأخرج عنه أيضا ﴿ فسبح باسم ربك العظيم ﴾ قال : فصل لربك وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر الجهني قال [ لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم ﴿ فسبح باسم ربك العظيم ﴾ قال : اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ قال : اجعلوها في سجودكم ]