ثم رغب سبحانه في الصدقة فقال : ١١ - ﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ﴾ أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الل فإنه كمن يقرضه والعرب تقول لكل من فعل فعلا حسنا قد أقرض ومنه قول الشاعر :

( إذا جوزيت قرضا فأجزه إنما يجزي الفتى ليس الجمل )
قال الكلبي ﴿ قرضا ﴾ أي صدقة ﴿ حسنا ﴾ أي محتسبا من قلبه بلا من ولا أذى قال مقاتل : حسنا طيبة به نفسه وقد تقدم تفسير الآية في سورة البقرة ﴿ فيضاعفه له ﴾ قرأ ابن عامر وابن كثير فيضعفه بإسقاط الألف إلا أن ابن عامر ويعقوب نصبوا الفاء وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة فيضاعفه بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصما نصب الفاء ورفع الباقون قال ابن عطية : الرفع على العطف على يقرض أو الاستئناف والنصب لكون الفاء في جواب الاستفهام وضعف النصب أبو علي الفارسي قال لأن السؤال لم يقع عن القرض وإنما وقع عن فاعل القرض وإنما تنصب الفاء فعلا مردودا على فعل مستفهم عنه لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى كأن قوله :﴿ من ذا الذي يقرض الله ﴾ بمنزلة قوله أيقرض الله أحد ﴿ وله أجر كريم ﴾ وهو الجنة والمضاعفة هنا هي كون الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف على اختلاف الأحوال والأشخاص والأوقات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال [ خرجنا مع رسول الله عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يوشك أن يأتي قوم [ تحرقون ] أعمالكم مع أعمالهم قلنا من هم يا رسول الله ؟ أقريش ؟ قال : لا ولكنهم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا فقلنا : أهم خير منا يا رسول الله ؟ قال : لو كان لأحدهم جبل من ذهب ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه إلا أن هذا فصل ما بيننا وبين الناس ﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ﴾ الآية ] وهذا الحديث قال ابن كثير : هو غريب بهذا الإسناد وقد رواه ابن جرير ولم يذكر فيه الحديبية وأخرج أحمد عن أنس قال :[ كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبد الرحمن : تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها ؟ فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقال : دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم ] والذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بلفظ :[ لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك أحدهم ولا نصيفه ] لفظ [ ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ] وأخرج هذا الحديث البخاري ومسلم وغيرهما عن حديث أبي سعيد الخدري وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره


الصفحة التالية
Icon