١٧ - ﴿ اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ﴾ فهو قادر على أن يبعث الأجسام بعد موتها ويلين القلوب بعد قسوتها ﴿ قد بينا لكم الآيات ﴾ التي من جملتها هذه الآيات ﴿ لعلكم تعقلون ﴾ أي كي تعقلوا ما تضمنته من المواعظ وتعلموا بموجب ذلك
١٨ - ﴿ إن المصدقين والمصدقات ﴾ قرأ الجمهور بتشديد الصاد في الوضعين من الصدقة وأصله المتصدقين والمتصدقات فأدغمت التاء في الصاد وقرأ أبي المتصدقين والمتصدقات بإثبات التاء على الأصل وقرأ ابن كثير بتخفيف الصاد فيهما من التصديق : أي صدقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما جاء به ﴿ وأقرضوا الله قرضا حسنا ﴾ معطوف على اسم الفاعل في المصدقين لأنه لما وقع صلة للألف واللام الموصولة حل محل الفعل فكأنه قال : إن الذين تصدقوا وأقرضوا كذا قال أبو علي الفارسي وغيره وقيل جملة وأقرضوا معترضة بين اسم إن وخبرها وهو ﴿ يضاعف ﴾ وقيل هي صلة لموصول محذوف : أي والذين أقرضوا والقرض الحسن عبارة عن التصدق والإنفاق في سبيل الله مع خلوص نية وصحة قصد واحتساب أجر قرأ الجمهور ﴿ يضاعف لهم ﴾ بفتح العين على البناء للمفعول والقائم مقام الفاعل إما الجار والمجرور أو ضمير يرجع إلى المصدقين على حذف مضاف : أي ثوابهم وقرأ الأعمش يضاعفه بكسر العين وزيادة الهاء وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب ﴿ يضاعف ﴾ بتشديد العين وفتحها ﴿ ولهم أجر كريم ﴾ وهو الجنة والمضاعفة هنا أن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف
١٩ - ﴿ والذين آمنوا بالله ورسله ﴾ جميعا والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الموصول وخبره قوله :﴿ هم الصديقون والشهداء ﴾ والجملة خبر الموصول قال مجاهد : كل من آمن بالله ورسله فهو صديق قال المقاتلان : هم الذين لم يشكوا في الرسل حين أخبروهم ولم يكذبوهم وقال مجاهد : هذه الآية للشهداء خاصة وهم الأنبياء الذي يشهدون للأمر وعليهم واختار هذا الفراء والزجاج وقال مقاتل بن سليمان : هم الذين استشهدوا في سبيل الله وكذا قال ابن جرير وقيل هم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة لأنبيائهم بالتبليغ والظاهر أن معنى الآية : إن الذين آمنوا بالله ورسله جميعا بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو الدرجة عند الله وقيل إن الصديقين هم المبالغون في الصدق حيث آمنوا بالله وصدقوا جميع رسله والقائمون لله سبحانه بالتوحيد ثم بين سبحانه ما لهم من الخير بسبب ما اتصفوا به من الإيمان بالله ورسله فقال :﴿ لهم أجرهم ونورهم ﴾ والضمير الأول راجع إلى الموصول والضميران الأخيران راجعان إلى الصديقين والشهداء فالضمائر الثلاثة كلها راجعة إلى شيء واحد والمعنى : لهم الأجر والنور الموعودان لهم ثم لما ذكر حال المؤمنين وثوابهم ذكر حال الكافرين وعقابهم
فقال :﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ﴾ أي جمعوا بين الكفر وتكذيب الآيات والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الموصول باعتبار ما في صلته من اتصافهم بالكفر والتكذيب وهذا مبتدأ وخبره ﴿ أصحاب الجحيم ﴾ يعذبون بها ولا أجر لهم ولا نور بل عذاب مقيم وظلمة دائمة
وقد أخرج ابن مردويه عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ استبطأ الله قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن فأنزل الله :﴿ ألم يأن للذين آمنوا ﴾ الآية ] وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت :[ خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم على نفر من أصحابه في المسجد وهم يضحكون فسحب رداءه محمرا وجهه فقال : أتضحكون ولم يأتكم أمان من ربكم بأنه قد غفر لكم ولقد أنزل علي في ضحككم آية ﴿ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ﴾ قالوا : يا رسول الله فما كفارة ذلك ؟ قال : تبكون بقدر ما ضحكتم ] وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ﴿ ألم يأن للذين آمنوا ﴾ إلا أربع سنين وأخرج نحوه عنه ابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طريق أخرى وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عنه أيضا قال : لما نزلت هذه الآية أقبل بعضنا على بعض : أي شيء أحدثنا أي شيء صنعنا ؟ وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ﴿ ألم يأن للذين آمنوا ﴾ الآية وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد العزيز بن أبي رواد أن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ظهر فيهم المزاح والضحك فنزلت هذه الآية ﴿ ألم يأن للذين آمنوا ﴾ وأخرج ابن المبارك عن ابن عباس ﴿ اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ﴾ قال : يعني أنه يلين القلوب بعد قسوتها وأخرج ابن جرير عن البراء بن عازب سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ مؤمنوا أمتي شهداء ثم تلا النبي صلى الله عليه و سلم :﴿ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ﴾ ] وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال : كل مؤمن صديق وشهيد وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :[ إن الرجل ليموت على فراشه وهو شهيد ثم تلا هذه الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ﴾ قال : هذه مفصولة ﴿ والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ﴾ ] وأخرج ابن حبان عن عمرو بن مرة الجهني : قال [ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فممن أنا ؟ قال : من الصديقين والشهداء ]


الصفحة التالية
Icon