ثم بين سبحانه أن ما يفعله اليهود والمنافقون من التناجي هو من جهة الشيطان فقال : ١٠ - ﴿ إنما النجوى ﴾ يعني بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ﴿ من الشيطان ﴾ لا من غيره : أي من تزيينه وتسويله ﴿ ليحزن الذين آمنوا ﴾ أي لأجل أن يوقعهم في الحزن بما يحصل لهم من التوهم أنها في مكيدة يكادون بها ﴿ وليس بضارهم شيئا ﴾ أو وليس الشيطان أو التناجي الذي يزينه الشيطان بضار المؤمنين شيئا من الضرر ﴿ إلا بإذن الله ﴾ أي بمشيئته وقيل بعلمه ﴿ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾ أي يكلون أمرهم إليه ويفوضونه في جميع شؤونهم ويستعيذون بالله من الشيطان ولا يبالون بما يزينه من النجوى
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند جيد عن ابن عمر : إن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه و سلم : السام عليك يريدون بذلك شتمه ثم يقولون في أنفسهم : لولا يعذبنا الله بما نقول فنزلت هذه الآية ﴿ وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾ وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وصححه عن أنس [ أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه فقال : السام عليكم فرد عليه القوم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هل تدرون ما قال هذا ؟ قالوا : الله أعلم سلم يا نبي الله قال : لا ولكنه قال كذا وكذا ردوه علي فردوه قال : قلت السام عليكم ؟ قال : نعم قال النبي صلى الله عليه و سلم عند ذلك : إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك قال : عليك ما قلت قال :﴿ وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾ ] وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت :[ دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم يهود فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم فقالت عائشة : عليكم السام واللعنة فقال : يا عائشة إن الله يحب الفحش ولا المتفحش قلت : ألا تسمعهم يقولون السام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أو ما سمعتني أقول وعليكم فأنزل الله ﴿ وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ﴾ ] وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حيوه : سام عليك فنزلت وأخرج ابن مردويه عنه قال :[ كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا بعث سرية وأغزاها التقى المنافقون فأنغضوا رؤوسهم إلى المسلمين ويقولون قتل القوم وإذا رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم تناجوا وأظهروا الحزن فبلغ ذلك من النبي صلى الله عليه و سلم ومن المسلمين فأنزل الله :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ﴾ الآية ] وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دوب الثالث فإن ذلك يحزنه ] وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد قال : كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه و سلم بطرقه أمر أو يأمر بشيء فكثر أهل النوب والمحتسبون ليلة حتى إذا كنا أنداء نتحدث فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم من الليل فقال : ما هذه النجوى ؟ ألم تنهوا عن النجوى ؟ قلنا : يا رسول الله إنا كنا في ذكر المسيح فرقا منه فقال : ألا أخبركم مما هو أخوف عليكم عندي منه ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال :[ الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل ] قال ابن كثير : هذا إسناد غريب وفيه بعض الضعفاء


الصفحة التالية
Icon