١٩ - ﴿ استحوذ عليهم الشيطان ﴾ أي غلب عليهم واستعلى واستولى قال المبرد : استحوذ على الشيء حواه وأحاط به وقيل قوي عليهم وقيل جمعهم يقال أحوذ الشيء : أي جمعه وضم بعضه إلى بعض والمعاني متقاربة لأنه إذا جمعهم فقد قوي عليهم وغلبهم واستعلى عليهم واستولى وأحاط بهم ﴿ فأنساهم ذكر الله ﴾ أي أوامره والعمل بطاعته فلم يذكروا شيئا من ذلك وقيل زواجره في النهي عن معاصيه وقيل لم يذكروه بقلوبهم ولا بألسنتهم والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى المذكورين الموصوفين بتلك الصفات وهو مبتدأ وخبره ﴿ حزب الشيطان ﴾ أي جنوده وأتباعه ورهطه ﴿ ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ﴾ أي الكاملون في الخسران حتى كأن خسران غيرهم بالنسبة إلى خسرانهم ليس بخسران لأنهم باعوا الجنة والهدى بالضلالة وكذبوا على الله وعلى نبيه وحلفوا الأيمان الفاجرة في الدنيا والآخرة
٢٠ - ﴿ إن الذين يحادون الله ورسوله ﴾ تقدم معنى المحادة لله ولرسوله في أول هذه السورة والجملة تعليل لما قبلها ﴿ أولئك في الأذلين ﴾ أي أولئك المحادون لله ورسوله المتصفون بتلك الصفات المتقدمة من حملة من أذله الله من الأمم السابقة واللاحقة لأنه لما حادوا الله ورسوله صاروا من الذل بهذا المكان قال عطاء : يريد الذل في الدنيا والخزي في الآخرة
٢١ - ﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾ الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها مع كونهم في الأذلين : أي كتب في اللوح المحفوظ وقضى في سابق علمه : لأغلبن أنا ورسلي بالحجة والسيف قال الزجاج : معنى غلبة الرسل على نوعين : من بعث منهم بالحرب فهو غالب في الحر ومن بعث منهم بغير الحرب فهو غالب بالحجة قال الفراء : كتب بمعنى قال وقوله : أنا توكيد ثم ذكر مثل قول الزجاج :﴿ إن الله قوي عزيز ﴾ فهو قوي على نصر أوليائه غالب لأعدائه لا يغلبه أحد
٢٢ - ﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ﴾ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم أو لكل من يصلح له : أي يحبون ويوالون من عادى الله ورسوله وشاقهما وجملة يوادون في محل نصب على أنها المفعول الثاني لتجد إن كان متعديا إلى مفعولين أو في محل نصب على الحال إن كان متعديا إلى مفعول واحد أو صفة أخرى لقوما : أي جامعون بين الإيمان والموادة لمن حاد الله ورسوله ﴿ ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ﴾ أي ولو كان المحادون لله ورسوله آباء الموادين الخ فإن الإيمان يزجر عن ذلك ويمنع منه ورعايته أقوى من رعاية الأبوة والبنوة والأخوة والعشيرة ﴿ أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ﴾ يعني الذي لا يوادون من حاد الله ورسوله ومعنى ﴿ كتب في قلوبهم الإيمان ﴾ خلقه وقيل أثبته وقيل جعله وقيل جمعه والمعاني متقاربة ﴿ وأيدهم بروح منه ﴾ أي قواهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا وسمى نصره لهم روحا لأن به يحيا أمرهم وقيل هو نور القلب وقال الربيع بن أنس : بالقرآن والحجة وقيل بجبريل وقيل بالإيمان وقيل برحمة قرأ الجمهور ﴿ كتب ﴾ مبنيا للفاعل ونصب ﴿ الإيمان ﴾ على المفعولية وقرأ زر بن حبيش والمفضل عن عاصم على البناء للمفعول ورفع الإيمان على النيابة وقرأ زر بن حبيش عشيراتهم بالجمع ورويت هذه القراءة عن عاصم ﴿ ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ﴾ على الأبد ﴿ رضي الله عنهم ﴾ أي قبل أعمالهم وأفاض عليهم آثار رحمته العاجلة والآجلة ﴿ ورضوا عنه ﴾ أي فرحوا بما أعطاهم عاجلا وآجلا ﴿ أولئك حزب الله ﴾ أي جنده الذين يمتثلون أوامره ويقاتلون أعداءه وينصرون أولياءه وفي إضافتهم إلى الله سبحانه تشريف لهم عظيم وتكريم فخيم ﴿ ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾ أي الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة الكاملون في الفالح الذين صار فلاحهم هو الفرد الكامل حتى كان فلاح غيرهم بالنسبة إلى فلاحهم كلا فلاح
وقد أخرج أحمد والبزار وابن المنذر وابن حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال :[ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا في ظل حجرة من حجرة وعنده نفر من المسلمين فقال : إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعين شيطان فإذا جاءكم فلا تكلموه فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق فقال حين رآه : علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فقال : ذرني آتيك بهم فحلفوا واعتذروا فأنزل الله ﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ﴾ الآية والتي بعدها ] وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن عبد الله بن شوذب قال : جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتقصد لأبي عبيدة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله فنزلت :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله ﴾ الآية


الصفحة التالية
Icon