٣ - ﴿ ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ﴾ أي لولا أن كتب الله عليهم الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه وقضي به عليهم لعذبهم بالقتل والسبي في الدنيا كما فعل ببني قريظة والجلاء مفارقة الوطن يقال بنفسه جلاء وأجلاه غير إجلاء والفرق بين الجلاء والإخراج وإن كان معناهما في الإبعاد واحدا من جهتين : إحداهما أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد الثاني أن الجلاء لا يكون إلا [ لجماعة ] والإخراج يكون لجماعة ولواحد كذا قال الماوردي ﴿ ولهم في الآخرة عذاب النار ﴾ هذه الجملة مستأنفة غير متعلقة بجواب لولا متضمنة لبيان ما يحصل لهم في الآخرة من العذاب وإن نجوا من عذاب الدنيا
والإشارة بقوله : ٤ - ﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم ذكره من الجلاء في الدنيا والعذاب في الآخرة ﴿ بأنهم شاقوا الله ورسوله ﴾ أي بسبب المشاقة منهم لله ولرسوله بعدم الطاعة والميل مع الكفار ونقض العهد ﴿ ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ﴾ اقتصر هاهنا على مشاقة الله لأن مشاقته مشاقة لرسوله قرأ الجمهور ﴿ يشاق ﴾ بالإدغام وقرأ طلحة بن مصرف ومحمد بن السميفع يشاق بالفك
٥ - ﴿ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ﴾ قال مجاهد : إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل فنهاهم بعضهم وقالوا : إنما هي مغانم للمسلمين وقال الذين قطعوا : بل هو غيظ للعدو فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطع النخل وتحليل من قطعه من الإثم فقال :﴿ ما قطعتم من لينة ﴾ قال قتادة والضحاك : إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات وقال محمد بن إسحاق : إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة فقال بنو النضير وهم أهل كتاب : يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر ؟ وهل وجدت فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض فشق ذلك على رسول الله صلى الله علي وسلم ووجد المسلمون في أنفسهم فنزلت الآية ومعنى الآية : أي شيء قطعتم من ذلك أو تركتم فبإذن الله والضمير في تركتموها عائد إلى ما لتفسيرها باللينة وكذا في قوله :﴿ قائمة على أصولها ﴾ ومعنى على أصولها : أنها باقية على ما هي عليه
واختلف المفسرون في تفسير اللينة فقال الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل : إنها النخل كله إلا العجوة وقال مجاهد : إنها النخل كله ولم يستثن عجوزة ولا غيرها وقال الثوري : هي كرام النخل وقال أبو عليدة : إنها جميع أنواع التمر سوى العجوة والبرني وقال جعفر بن محمد : إنها العجوة خاصة وقيل هي ضرب من النخل يقال لتمره اللون تمره أجود التمر وقال الأصمعي : هي الدقل وأصل اللينة لونة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وجمع اللينة لين وقيل ليان وقرأ ابن مسعود ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوما على أصولها أي قائمة على سوقها وقرئ على أصلها قائما على أصوله ﴿ وليخزي الفاسقين ﴾ أي ليذل الخارجين عن الطاعة وهم اليهود ويغيظهم في قطعها وتركها لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف شاءوا من القطعو الترك ازدادوا غيظا قال الزجاج : وليخزي الفاسقين أذن في ذلك يدل على المحذوف قوله :﴿ فبإذن الله ﴾ وقد استدل بهذه الآية على جواز الاجتهاد وعلى تصويب المجتهدين والبحث مستوفى في كتب الأصول


الصفحة التالية
Icon